ثم قال: * (وإن تفعلوا فإنه فسوق بكم) * وفيه وجهان أحدهما: يحتمل أنه يحمل على هذا الموضع خاصة والمعنى: فإن تفعلوا ما نهيتكم عنه من الضرار والثاني: أنه عام في جميع التكليف، والمعنى: وإن تفعلوا شيئا مما نهيتكم عنه أو تتركوا شيئا مما أمرتكم به فإنه فسوق بكم، أي خروج عن أمر الله تعالى وطاعته.
ثم قال تعالى: * (واتقوا الله) * يعني فيما حذر منه هاهنا، وهو المضارة، أو يكون عاما، والمعنى اتقوا الله في جميع أوامره ونواهيه.
ثم قال: * (ويعلمكم الله) * والمعنى: أنه يعلمكم ما يكون إرشادا واحتياطا في أمر الدنيا، كما يعلمكم ما يكون إرشادا في أمر الدين * (والله بكل شيء عليم) * إشارة إلى كونه سبحانه وتعالى عالما بجميع مصالح الدنيا والآخرة.
قوله تعالى * (وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذى اؤتمن أمانته وليتق الله ربه ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه ءاثم قلبه والله بما تعملون عليم) *.
إعلم أنه تعالى جعل البياعات في هذه الآية على ثلاثة أقسام: بيع بكتاب وشهود، وبيع برهان مقبوضة، وبيع الأمانة، ولما أمر في آخر الآية المتقدمة بالكتبة والإشهاد، واعلم أنه ربما تعذر ذلك في السفر إما بأن لا يوجد الكاتب، أو إن وجد لكنه لا توجد آلات الكتابة ذكر نوعا آخر من الاستيثاق وهو أخذ الرهن فهذا وجه النظم وهذا أبلغ في الاحتياط من الكتبة والإشهاد ثم في الآية مسائل:
المسألة الأولى: ذكرنا اشتقاق في السفر في قوله تعالى: * (فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر) * (البقرة: 184) ونعيده هاهنا قال أهل اللغة: تركيب هذه الحروف للظهور والكشف فالسفر هو الكتاب، لأنه يبين الشيء ويوضحه، وسمي السفر سفرا، لأنه يسفر عن أخلاق الرجال، أي