عبدي أنا وإن كنت أعلم جميع أحوالك، فلا أظهر من أحوالك، ولا أذكر منها إلا ما يكون مدحا لك وثناء عليك، حتى تعلم أني كما أنا الكامل في الملك والعلم والقدرة، فأنا الكامل في الجود والرحمة، وفي إظهار الحسنات، وفي الستر على السيئات.
الوجه الثالث: أنه بدأ في السورة بمدح المتقين الذين يؤمنون بالغيب، ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون، وبين في آخر السورة أن الذين مدحهم في أول السورة هم أمة محمد صلى الله عليه وسلم، فقال: * (والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله) * وهذا هو المراد بقوله في أول السورة * (الذين يؤمنون بالغيب) * (البقرة: 3).
ثم قال ههنا * (وقالوا سمعنا وأطعنا) * وهو المراد بقوله في أول السورة * (ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون) *.
ثم قال ههنا * (غفرانك ربنا وإليك المصير) * وهو المراد بقوله في أول السورة * (وبالآخرة هم يوقنون) * (البقرة: 4) ثم حكى عنهم ههنا كيفية تضرعهم إلى ربهم في قولهم * (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا) * (البقرة: 286) إلى آخر السورة وهو المراد بقوله في أول السورة * (أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون) * (البقرة: 5) فانظر كيف حصلت الموافقة بين أول السورة وآخرها.
والوجه الرابع: وهو أن الرسول إذا جاءه الملك من عند الله، وقال له: إن الله بعثك رسولا إلى الخلق، فههنا الرسول لا يمكنه أن يعرف صدق ذلك الملك إلا بمعجزة يظهرها الله تعالى على صدق ذلك الملك في دعواه ولولا ذلك المعجز لجوز الرسول أن يكون ذلك المخبر شيطانا ضالا مضلا، وذلك الملك أيضا إذا سمع كلام الله تعالى افتقر إلى معجز يدل على أن المسموع هو كلام الله تعالى لا غير، وهذه المراتب معتبرة أولها: قيام المعجز على أن المسموع كلام الله لا غيره، فيعرف الملك بواسطة ذلك المعجز أنه سمع كلام الله تعالى وثانيها: قيام المعجزة عند النبي صلى الله عليه وسلم على أن ذلك الملك صادق في دعواه، وأنه ملك بعثه الله تعالى وليس بشيطان وثالثها: أن تقوم المعجزة على يد الرسول عند الأمة حتى تستدل الأمة بها على أن الرسول صادق في دعواه فإذن لما لم يعرف الرسول كونه رسولا من عند الله لا تتمكن الأمة من أن يعرفوا ذلك، فلما ذكر الله تعالى في هذه السورة أنواع الشرائع وأقسام الأحكام، قال: * (آمن الرسول) * فبين أن الرسول عرف أن ذلك وحي من الله تعالى وصف إليه، وأن الذي أخبره بذلك ملك مبعوث من قبل الله تعالى معصوم من التحريف، وليس بشيطان مضل، ثم ذكر إيمان الرسول صلى الله