بالكليات والجزئيات بقوله * (وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله) * وإذا حصل كمال القدرة والعلم، فكان كل من في السماوات والأرض عبيدا مربوبين وجدوا بتخليقه وتكوينه كان ذلك غاية الوعد للمطيعين، ونهاية الوعيد للمذنبين، فلهذا السبب ختم الله هذه السورة بهذه الآية.
والوجه الثاني: في كيفية النظم، قال أبو مسلم: إنه تعالى لما قال في آخر الآية المتقدمة * (والله بما تعملون عليم) * (البقرة: 283) ذكر عقيبه ما يجري مجرى الدليل العقلي فقال: * (لله ما في السماوات وما في الأرض) * ومعنى هذا الملك أن هذه الأشياء لما كانت محدثة فقد وجدت بتخليقه وتكوينه وإبداعه ومن كان فاعلا لهذه الأفعال المحكمة المتقنة العجيبة الغريبة المشتملة على الحكم المتكاثرة والمنافع العظيمة لا بد وأن يكون عالما بها إذ من المحال صدور الفعل المحكم المتقن عن الجاهل به، فكان الله تعالى احتج بخلقه السماوات والأرض مع ما فيهما من وجوه الإحكام والإتقان على كونه تعالى عالما بها محيطا بأجزائها وجزئياتها.
الوجه الثالث: في كيفية النظم، قال القاضي: إنه تعالى لما أمر بهذه الوثائق أعني الكتبة والإشهاد والرهن، فكان المقصود من الأمر بها صيانة الأموال، والاحتياط في حفظها بين الله تعالى أنه إنما المقصود لمنفعة ترجع إلى الخلق لا لمنفعة تعود إليه سبحانه منها فإنه له ملك السماوات والأرض.
الوجه الرابع: قال الشعبي وعكرمة ومجاهد: إنه تعالى لما نهى عن كتمان الشهادة وأوعد عليه بين أنه له ملك السماوات والأرض فيجازي على الكتمان والإظهار.
المسألة الثانية: احتج الأصحاب بقوله * (لله ما في السماوات وما في الأرض) * على أن فعل العبد خلق الله تعالى، لأنه من جملة ما في السماوات والأرض بدليل صحة الاستثناء، واللام في قوله * (لله) * ليس لام الغرض، فإنه ليس غرض الفاسق من فسقه طاعة الله، فلا بد وأن يكون المراد منه لام الملك والتخليق.
المسألة الثالثة: احتج الأصحاب بهذه الآية على أن المعدوم ليس بشيء لأن من جملة ما في السماوات والأرض حقائق الأشياء وماهياتها فهي لا بد وأن تكون تحت قدرة الله سبحانه وتعالى وإنما تكون الحقائق والماهيات تحت قدرته لو كان قادرا على تحقيق تلك الحقائق، وتكوين تلك الماهيات، فإذا كان كذلك كانت قدرة الله تعالى مكونة للذوات، ومحققة للحقاق، فكان القول بأن المعدوم شئ باطلا.
ثم قال تعالى: * (وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله) * يروى عن ابن عباس أنه