فقد وقع بالممتنع.
الحجة الرابعة: أنه تعالى كلف أبا لهب الإيمان، والإيمان تصديق الله في كل ما أخبر عنه، وهو مما أخبر أنه لا يؤمن، فقد صار أبو لهب مكلفا بأن يؤمن بأنه لا يؤمن، وذلك تكليف ما لا يطاق. الحجة الخامسة: العبد غير عالم بتفاصيل فعله، لأن من حرك أصبعه لم يعرف عدد الأحيان التي حرك أصبعه فيها، لأن الحركة البطيئة عبارة عند المتكلمين عن حركات مختلطة بسكنات، والعبد لم يخطر بباله أنه يتحرك في بعض الأحيان، ويسكن في بعضها، وأنه أين تحرك وأين سكن، وإذا لم يكن عالما بتفاصيل فعله لم يكن موجدا لها، لأنه لم يقصد إيجاد ذلك العدد المخصوص من الأفعال، فلو فعل ذلك العدد دون الأزيد ودون الأنقص فقد ترجح الممكن لا لمرجح وهو محال، فثبت أن العبد غير موجد، فإذا لم يكن موجدا كان تكليف ما لا يطاق لازما على ما ذكرتم، فهذه وجوه عقلية قطعية يقينية في هذا الباب، فعلمنا أنه لا بد للآية من التأويل وفيه وجوه الأول: وهو الأصوب: أنه قد ثبت أنه متى وقع التعارض من القاطع العقلي، والظاهر السمعي، فإما أن يصدقهما وهو محال، لأنه جمع بين النقيضين، وإما أن يكذبهما وهو محال، لأنه إبطال النقيضين، وإما أن يكذب القاطع العقلي، ويرجح الظاهر السمعي، وذلك يوجب تطرق الطعن في الدلائل العقلية، ومتى كان كذلك بطل التوحيد والنبوة والقرآن، وترجيح الدليل السمعي يوجب القدح في الدليل العقلي والدليل السمعي معا، فلم يبق إلا أن يقطع بصحة الدلائل العقلية، ويحمل الظاهر السمعي على التأويل، وهذا الكلام هو الذي تعول المعتزلة عليه أبدا في دفع الظواهر التي تمسك بها أهل التشبيه، فبهذا الطريق علمنا أن لهذه الآية تأويلا في الجملة، سواء عرفناه أو لم نعرفه، وحينئذ لا يحتاج إلى الخوض فيه على سبيل التفصيل.
الوجه الثاني في الجواب: هو أنه لا معنى للتكليف في الأمر والنهي إلا الإعلام بأنه متى فعل كذا فإنه يثاب، ومتى لم يفعل فإنه يعاقب، فإذا وجد ظاهر الأمر فإن كان المأمور به ممكنا كان ذلك أمرا وتكليفا في الحقيقة، وإلا لم يكن في الحقيقة تكليفا، بل كان إعلاما بنزول العقاب به في الدار الآخرة، وإشعارا بأنه إنما خلق للنار. والجواب الثالث: وهو أن الإنسان ما دام لم يمت، وأنا لا ندري أن الله تعالى علم منه أنه يموت على الكفر أو ليس كذلك، فنحن شاكون في قيام المانع، فلا جرم نأمره بالإيمان ونحثه عليه، فإذا مات على الكفر علمنا بعد موته أن المانع كان قائما في حقه. فتبين أن شرط