والثاني: من أسلم أي دخل في السلم، كقولهم: أسنى وأقحط وأصل السلم السلامة الثالث: قال ابن الأنباري: المسلم معناه المخلص لله عبادته من قولهم: سلم الشيء لفلان، أي خلص له فالإسلام معناه إخلاص الدين والعقيدة لله تعالى، هذا ما يتعلق بتفسير لفظ الإسلام في أصل اللغة، أما في عرف الشرع فالإسلام هو الإيمان، والدليل عليه وجهان الأول: هذه الآية فإن قوله * (إن الدين عند الله الإسلام) * يقتضي أن يكون الدين المقبول عند الله ليس إلا الإسلام، فلو كان الإيمان غير الإسلام وجب أن لا يكون الإيمان دينا مقبولا عند الله، ولا شك في أنه باطل الثاني: قوله تعالى: * (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه) * (آل عمران: 85) فلو كان الإيمان غير الإسلام لوجب أن لا يكون الإيمان دينا مقبولا عند الله تعالى.
فإن قيل: قوله تعالى: * (قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا) * (الحجرات: 14) هذا صريح في أن الإسلام مغاير للإيمان.
قلنا: الإسلام عبارة عن الانقياد في أصل اللغة على ما بينا، والمنافقون انقادوا في الظاهر من خوف السيف، فلا جرم كان الإسلام حاصلا في حكم الظاهر، والإيمان كان أيضا حاصلا في حكم الظاهر، لأنه تعالى قال: * (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن) * (البقرة: 221) والإيمان الذي يمكن إدارة الحكم عليه هو الإقرار الظاهر، فعلى هذا الإسلام والإيمان تارة يعتبران في الظاهر، وتارة في الحقيقة، والمنافق حصل له الإسلام الظاهر، ولم يحصل له الإسلام الباطن، لأن باطنه غير منقاد لدين الله، فكان تقدير الآية: لم تسلموا في القلب والباطن، ولكن قولوا: أسلمنا في الظاهر، والله أعلم.
أما قوله تعالى: * (وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ومن يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب) * فيه مسائل:
المسألة الأولى: الغرض من الآية بيان إن الله تعالى أوضح الدلائل، وأزال الشبهات والقوم ما كفروا إلا لأجل التقصير، فقوله * (وما اختلف الذين أوتوا الكتاب) * فيه وجوه: