التكليف كان زائلا عنه حال حياته، وهذا قول طائفة من قدماء أهل الجبر.
الجواب الرابع: أنا بينا أن قوله * (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) * ليس قول الله تعالى، بل هو قول المؤمنين، فلا يكون حجة، إلا أن هذا ضعيف، وذلك لأن الله تعالى لما حكاه عنهم في معرض المدح لهم والثناء عليهم، فبسبب هذا الكلام وجب أن يكونوا صادقين في هذا الكلام، إذ لو كانوا كاذبين فيه لما جاز تعظيمهم بسببه، فهذا أقصى ما يمكن أن يقال في هذا الموضع ونسأل الله العظيم أن يرحم عجزنا وقصور فهمنا، وأن يعفو عن خطايانا، فإنا لا نطلب إلا الحق، ولا نروم إلا الصدق.
أما قوله تعالى: * (لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت) * ففيه مسائل:
المسألة الأولى: اختلفوا في أنه هل في اللغة فرق بين الكسب والاكتساب، قال الواحدي رحمه الله: الصحيح عند أهل اللغة أن الكسب والاكتساب واحد لا فرق بينهما، قال ذو الرمة: ألفى أباه بذاك الكسب يكتسب والقرآن أيضا ناطق بذلك، قال الله تعالى: * (كل نفس بما كسبت رهينة) * (المدثر: 38) وقال: * (ولا تكسب كل نفس إلا عليها) * (الأنعام: 164) وقال: * (بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئة) * (البقرة: 81) وقال: * (والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا) * (الأحزاب: 58) فدل هذا على إقامة كل واحد من هذين اللفظين مقام الآخر، ومن الناس من سلم الفرق، ثم فيه قولان أحدهما: أن الاكتساب أخص من الكسب، لأن الكسب ينقسم إلى كسبه لنفسه ولغيره، والاكتساب لا يكون إلا ما يكتسب الإنسان لنفسه خاصة يقال فلان كاسب لأهله، ولا يقال مكتسب لأهله والثاني: قال صاحب " الكشاف ": إنما خص الخير بالكسب، والشر بالاكتساب، لأن الاكتساب اعتمال، فلما كان الشر مما تشتهيه النفس، وهي منجذبة إليه، وأمارة به كانت في تحصيله أعمل وأجد، فجعلت لهذا المعنى مكتسبة فيه ولما لم يكن كذلك في باب الخير وصفت بما لا دلالة فيه على الاعتمال والله أعلم.
المسألة الثانية: المعتزلة احتجوا بهذه الآية على أن فعل العبد بإيجاده وتكوينه، قالوا لأن الآية صريحة في إضافة خيره وشره إليه ولو كان ذلك بتخليق الله تعالى لبطلت هذه الإضافة ويجري صدور أفعاله منه مجرى لونه وطوله وشكله وسائر الأمور التي لا قدرة له عليها البتة والكلام فيه معلوم وبالله التوفيق، قال القاضي: لو كان خالقا أفعالهم فما الفائدة في التكليف، وأما الوجه في أن يسألوه أن لا يثقل عليهم والثقيل على قولهم كالخفيف في أنه تعالى يخلقه فيهم وليس يلحقهم