فههنا أمره لله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له وهو كقوله * (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) * فيكون ذلك دليلا ظاهرا على صحة قولنا أن العفو من الله مرجو.
أما قوله * (ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) * فالمعنى: ومن عاد إلى استحلال الربا حتى يصير كافرا.
واعلم أن قوله * (فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) * دليل قاطع في أن الخلود لا يكون إلا للكافر لأن قوله * (أولئك أصحاب النار) * يفيد الحصر فيمن عاد إلى قول الكافر وكذلك قوله * (هم فيها خالدون) * يفيد الحصر، وهذا يدل على أن كونه صاحب النار، وكونه خالدا في النار لا يحصل إلا في الكفار أقصى ما في الباب أنا خالفنا هذا الظاهر وأدخلنا سائر الكفار فيه، لكنه يبقى على ظاهره في صاحب الكبيرة فتأمل في هذه المواضع، وذلك أن مذهبنا أن صاحب الكبيرة إذا كان مؤمنا بالله ورسوله يجوز في حقه أن يعفو الله عنه، ويجوز أن يعاقبه الله وأمره في البابين موكل إلى الله، ثم بتقدير أن يعاقبه الله فإنه لا يخلد في النار بل يخرجه منها، والله تعالى بين صحة هذا المذهب في هذه الآيات بقوله * (فأمره إلى الله) * على جواز العفو في حق صاحب الكبيرة على ما بيناه.
ثم قوله * (فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) * يدل على أن بتقدير أن يدخله الله النار لكنه لا يخلده فيها الآن الخلود مختص بالكفار لا بأهل الإيمان، وهذا بيان شريف وتفسير حسن.
* (يمحق الله الربوا ويربى الصدقات والله لا يحب كل كفار أثيم) *.
إعلم أنه تعالى لما بالغ في الزجر عن الربا، وكان قد بالغ في الآيات المتقدمة في الأمر بالصدقات، ذكر هاهنا ما يجري مجرى الدعاء إلى ترك الصدقات وفعل الربا، وكشف عن فساده، وذلك لأن الداعي إلى فعل الربا تحصيل المزيد في الخيرات، والصارف عن الصدقات الاحتراز عن نقصان الخير فبين تعالى أن الربا وإن كان زيادة في الحال، إلا أنه نقصان في الحقيقة، وأن الصدقة وإن كانت نقصانا في الصورة، إلا أنها زيادة في المعنى، ولما كان الأمر كذلك كان اللائق بالعاقل أن لا يلتفت إلى ما يقضي به الطبع والحس من الدواعي والصوارف، بل يعول على ما ندبه الشرع إليه من الدواعي والصوارف فهذا وجه النظم وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى: المحق نقصان الشيء حالا بعد حال، ومنه المحاق في الهلال يقال: محقه الله فانمحق وامتحق، ويقال: هجير ما حق إذا نقص في كل شيء بحرارته.