الفعل بالفاعل أشد من تعلقه بالمفعول، فجعل أقرب المذكورين السابقين فاعلا، وأبعدهما مفعولا أولى من العكس، وأقرب المذكورين هو قوله * (وأخرى كافرة) * والثاني: أن مقدمة الآية وهو قوله * (قد كان لكم آية) * خطاب مع الكفار فقراءة نافع بالتاء يكون خطابا مع أولئك الكفار والمعنى ترون يا مشركي قريش المسلمين مثليهم، فهذه القراءة لا تساعد إلا على كون الرائي مشركا الثالث: أن الله تعالى جعل هذه الحالة آية الكفار، حيث قال: * (قد كان لكم آية في فئتين التقتا) * فوجب أن تكون هذه الحالة مما يشاهدها الكافر حتى تكون حجة عليه، أما لو كانت هذه الحالة حاصلة للمؤمن لم يصح جعلها حجة الكافر والله أعلم.
واحتج من قال: الراؤن هم المسلمون، وذلك لأن الرائين لو كانوا هم المشركين لزم رؤية ما ليس بموجود وهو محال، ولو كان الراؤن هم المؤمنون لزم أن لا يرى ما هو موجود وهذا ليس بمحال، وكان ذلك أولى والله أعلم.
ثم قال: * (رأي العين) * يقال: رأيته رأيا ورؤية، ورأيت في المنام رؤيا حسنة، فالرؤية مختص بالمنام، ويقول: هو مني مرأى العين حيث يقع عليه بصري، فقوله * (رأي العين) * يجوز أن ينتصب على المصدر، ويجوز أن يكون ظرفا للمكان، كما تقول: ترونهم أمامكم، ومثله: هو مني مناط العنق ومزجر الكلب.
ثم قال: * (والله يؤيد بنصره من يشاء) * نصر الله المسلمين على وجهين: نصر بالغلبة كنصر يوم بدر، ونصر بالحجة، فلهذا المعنى لو قدرنا أنه هزم قوم من المؤمنين لجاز أن يقال: هم المنصورون لأنهم هم المنصورون بالحجة، وبالعاقبة الحميدة، والمقصود من الآية أن النصر والظفر إنما يحصلان بتأييد الله ونصره، لا بكثرة العدد والشوكة والسلاح.
ثم قال: * (إن في ذلك لعبرة) * والعبرة الاعتبار وهي الآية التي يعبر بها من منزلة الجهل إلى العلم وأصله من العبور وهو النفوذ من أحد الجانبين إلى الآخر، ومنه العبارة وهي كلام الذي يعبر بالمعنى إلى المخاطب، وعبارة الرؤيا من ذلك، لأنها تعبير لها، وقوله * (لأولي الأبصار) * أي لأولي العقول، كما يقال: لفلان بصر بهذا الأمر، أي علم ومعرفة، والله أعلم.
قوله سبحانه وتعالى * (زين للناس حب الشهوات من النسآء والبنين والقناطير المقنطرة من