ما كسبت) لا يوجب زوال الملك بدليل أن المسروق متى كان باقيا قائما، فإنه يجب رده على المالك، ولا يكون القطع مقتضيا زوال ملكه عنه.
ومنها أن منكري وجوب الزكاة احتجوا به، وجوابه أن الدلائل الموجبة للزكاة أخص، والخاص مقدم على العام، وبالجملة فهذه الآية أصل كبير في فروع الفقه والله أعلم.
ثم إعلم أنه تعالى حكى عن المؤمنين دعاءهم، وذلك لأنه صلى الله عليه وسلم قال: " الدعاء مخ العبادة " لأن الداعي يشاهد نفسه في مقام الفقر والحاجة والذلة والمسكنة ويشاهد جلال الله تعالى وكرمه وعزته وعظمته بنعت الاستغناء والتعالي، وهو المقصود من جميع العبادات والطاعات فلهذا السبب ختم هذه السورة الشريفة المشتملة على هذه العلوم العظيمة بالدعاء والتضرع إلى الله والكلام في حقائق الدعاء ذكرناه في تفسير قوله تعالى: * (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب) * (البقرة: 186) فقال: * (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا) * وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى: إعلم أنه تعالى حكى عن المؤمنين أربعة أنواع من الدعاء، وذكر في مطلع كل واحد منها قوله * (ربنا) * إلا في النوع الرابع من الدعاء فإنه حذف هذه الكلمة عنها وهو قوله * (واعف عنا واغفر لنا) *.
أما النوع الأول فهو قوله * (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا) * وفيه مسائل:
المسألة الأولى: لا تؤاخذنا أي لا تعاقبنا، وإنما جاء بلفظ المفاعلة وهو فعل واحد، لأن الناسي قد أمكن من نفسه، وطرق السبيل إليها بفعله، فصار من يعاقبه بذنبه كالمعين لنفسه في إيذاء نفسه، وعندي فيه وجه آخر، وهو أن الله يأخذ المذنب بالعقوبة، فالمذنب كأنه يأخذ ربه بالمطالبة بالعفو والكرم، فإنه لا يجد من يخلصه من عذابه إلا هو، فلهذا يتمسك العبد عند الخوف منه به، فلما كان كل واحد منهما يأخذ الآخر عبر عنه بلفظ المؤاخذة.
المسألة الثانية: في النسيان وجهان الأول: أن المراد منه هو النسيان نفسه الذي هو ضد الذكر.
فإن قيل: أليس أن فعل الناسي في محل العفو بحكم دليل العقل حيث لا يجوز تكليف ما لا يطاق وبدليل السمع وهو قوله صلى الله عليه وسلم: " رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه فإذا كان النسيان في محل العفو قطعا فما معنى طلب العفو عنه في الدعاء ".
والجواب: عنه من وجوه الأول: أن النسيان منه ما يعذر فيه صاحبه، ومنه ما لا يعذر