ما يتصل به يقوم مقامه، ألا ترى أن همزة الوصل إذا اتصلت الكلمة التي هي فيها بشيء سقطت ولم تثبت، لأن ما يتصل به يتوصل به إلى النطق بما بعد الهمزة فلا تثبت الهمزة فكذا الألف في * (أنا) * والهاء التي في الوقف يجب سقوطها عند الوصل كما يجب سقوط الهمزة عند الوصل.
أما قوله تعالى: * (قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب) * فاعلم أن للناس في هذا المقام طريقين الأول: وهو طريقة أكثر المفسرين أن إبراهيم عليه السلام لما رأى من نمروذ أنه ألقى تلك الشبهة عدل عن ذلك إلى دليل آخر أوضح منه، فقال: * (إن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب) * فزعم أن الانتقال من دليل إلى دليل آخر أوضح منه جائز للمستدل.
فإن قيل: هلا قال نمروذ: فليأت ربك بها من المغرب؟.
قلنا: الجواب من وجهين: أحدهما: أن هذه المحاجة كانت مع إبراهيم بعد إلقائه في النار وخروجه منها سالما، فعلم أن من قدر على حفظ إبراهيم في تلك النار العظيمة من الاحتراق يقدر على أن يأتي بالشمس من المغرب والثاني: أن الله خذله وأنساه إيراد هذه الشبهة نصرة لنبيه عليه السلام. والطريق الثاني: وهو الذي قال به المحققون: إن هذا ما كان انتقالا من دليل إلى دليل آخر بل الدليل واحد في الموضعين وهو أنا نرى حدوث أشياء لا يقدر الخلق على إحداثها فلا بد من قادر آخر يتولى إحداثها وهو الله سبحانه وتعالى، ثم إن قولنا: نرى حدوث أشياء لا يقدر الخلق على إحداثها له أمثلة منها: الإحياء، والإماتة، ومنها السحاب، والرعد، والبرق، ومنها حركات الأفلاك، والكواكب، والمستدل لا يجوز له أن ينتقل من دليل إلى دليل آخر، لكن إذا ذكر لإيضاح كلام مثالا فله أن ينتقل من ذلك المثال إلى مثال آخر، فكان ما فعله إبراهيم من باب ما يكون الدليل واحد إلا أنه يقع الانتقال عند إيضاحه من مثال إلى مثال آخر، وليس من باب ما يقع الانتقال من دليل إلى دليل آخر، وهذا الوجه أحسن من الأول وأليق بكلام أهل التحقيق منه، والإشكال عليهما من وجوه:
الإشكال الأول: أن صاحب الشبهة إذا ذكر الشبهة، ووقعت تلك الشبهة في الأسماع، وجب على المحق القادر على الجواب أن يذكر الجواب في الحال إزالة لذلك التلبيس والجهل عن العقول، فلما طعن الملك الكافر في الدليل الأول، أو في المثال الأول بتلك الشبهة كان الاشتغال بإزالة تلك الشبهة واجبا مضيقا، فكيف يليق بالمعصوم أن يترك ذلك الواجب.
والإشكال الثاني: أنه لما أورد المبطل ذلك السؤال، فإذا ترك المحق الكلام الأول وانتقل إلى كلام آخر، أوهم أن كلامه الأول كان ضعيفا ساقطا، وأنه ما كان عالما بضعفه، وأن