ولي فيه إشكال: وهو أن البستان إذا كان في مرتفع من الأرض كان فوق الماء ولا ترتفع إليه أنهار وتضربه الرياح كثيرا فلا يحسن ريعه، وإذا كان في وهدة من الأرض انصبت مياه الأنهار، ولا يصل إليه إثارة الرياح فلا يحسن أيضا ريعه، فإذن البستان إنما يحسن ريعه إذا كان على الأرض المستوية التي لا تكون ربوة ولا وهدة، فإذن ليس المراد من هذه الربوة ما ذكروه، بل المراد منه كون الأرض طينا حرا، بحيث إذا نزل المطر عليه انتفخ وربا ونما، فإن الأرض متى كانت على هذه الصفة يكثر ربعها، وتكمل الأشجار فيها، وهذا التأويل الذي ذكرته متأكد بدليلين أحدهما: قوله تعالى: * (وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت) * (الحج: 5) والمراد من ربوها ما ذكرنا فكذا هاهنا والثاني: أنه تعالى ذكر هذا المثل في مقابلة المثل الأول، ثم كان المثل الأول هو الصفوان الذي لا يؤثر فيه المطر، ولا يربو، ولا ينمو بسبب نزول المطر عليه، فكان المراد بالربوة في هذا المثل كون الأرض بحيث تربو وتنمو، فهذا ما خطر ببالي والله أعلم بمراده.
ثم قال تعالى: * (أصابها وابل فآتت أكلها ضعفين) * وفيه مسائل:
المسألة الأولى: قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو * (أكلها) * بالتخفيف، والباقون بالتثقيل، وهو الأصل، والأكل بالضم الطعام لأن من شأنه أن يؤكل قال الله تعالى: * (تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها) * (إبراهيم: 25) أي ثمرتها وما يؤكل منها، فالأكل في المعنى مثل الطعمة، وأنشد الأخفش: فما أكلة إن نلتها بغنيمة * ولا جوعة إن جعتها بقرام وقال أبو زيد: يقال إنه لذو أكل إذا كان له حظ من الدنيا.
المسألة الثانية: قال الزجاج: * (آتت أكلها ضعفين) * يعني مثلين لأن ضعف الشيء مثله زائدا عليه، وقيل ضعف الشيء مثلاه قال عطاء: حملت في سنة من الريع ما يحمل غيرها في سنتين، وقال الأصم: ضعف ما يكون في غيرها، وقال أبو مسلم: مثلي ما كان يعهد منها.
ثم قال تعالى: * (فإن لم يصبها وابل فطل) * الطل: مطر صغير الفطر، ثم في المعنى وجوه:
الأول: المعنى أن هذه الجنة إن لم يصبها وابل فيصيبها مطر دون الوابل، إلا أن ثمرتها باقية بحالها على التقديرين لا ينقص بسبب انتقاص المطر وذلك بسبب كرم المنبت الثاني: معنى الآية إن لم يصبها وابل حتى تضاعف ثمرتها فلا بد وأن يصيبها طل يعطي ثمرا دون ثمر الوابل، فهي على جميع الأحوال لا تخلوا من أن تثمر، فكذلك من أخرج صدقة لوجه الله تعالى لا يضيع كسبه قليلا كان أو كثيرا.