يأب الشهداء إذا ما دعوا) * إلى الأمر بالأداء حملا له على فائدة جديدة، فكان ذلك أولى، فقد ظهر بما ذكرنا دلالة الآية على أنه يجب على الشاهد أن لا يمتنع من إقامة الشهادة إذا دعي إليها.
واعلم أن الشاهد إما أن يكون متعينا، وإما أن يكون فيهم كثرة، فإن كان متعينا وجب عليه أداء الشهادة، وإن كان فيهم كثرة صار ذلك فرضا على الكفاية.
المسألة الثانية: قد شرحنا دلالة هذه الآية على أن العبد لا يجوز أن يكون شاهدا فلا نعيده الثالثة: قال الشافعي رضي الله عنه: يجوز القضاء بالشاهد واليمين، وقال أبو حنيفة رضي الله عنه: لا يجوز، واحتج أبو حنيفة بهذه الآية فقال: إن الله تعالى أوجب عند عدم شهادة رجلين شهادة الرجل والمرأتين على التعيين، فلو جوزنا الاكتفاء بالشاهد واليمين لبطل ذلك التعيين، وحجة الشافعي رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قضى بالشاهد واليمين، وتمام الكلام فيه مذكور في خلافيات الفقه.
واعلم أنه تعالى لما أمر عند المداينة بالكتبة أولا، ثم بالإشهاد ثانيا، أعاد ذلك مرة أخرى على سبيل التأكيد، فأمر بالكتبة، فقال: * (ولا تسأموا أن تكتبوه صغيرا أو كبيرا إلى أجله) * وفيه مسائل:
المسألة الأولى: السآمة الملال والضجر، يقال: سئمت الشيء سأما وسآمة، والمقصود من الآية البعث على الكتابة قل المال أو كثر، فإن القليل من المال في هذا الاحتياط كالكثير، فإن النزاع الحاصل بسبب القليل من المال ربما أدى إلى فساد عظيم ولجاج شديد، فأمر تعالى في الكثير والقليل بالكتابة، فقال: * (ولا تسأموا) * أي ولا تملوا فتتركوا ثم تندموا.
فإن قيل: فهل تدخل الحبة والقيراط في هذا الأمر؟.
قلنا: لا لأن هذا محمول على العادة، ليس في العادة أن يكتبوا التافه.
المسألة الثانية: * (أن) * في محل النصب لوجهين: إن شئت جعلته مع الفعل مصدرا فتقديره: ولا تسأموا كتابته، وإن شئت بنزع الخافض تقديره: ولا تسأموا من أن تكتبوه إلى أجله.
المسألة الثالثة: الضمير في قوله * (أن تكتبوه) * لا بد وأن يعود إلى المذكور سابقا، وهو هاهنا إما الدين وإما الحق.
المسألة الرابعة: قرىء * (ولا يسأموا أن يكتبوه) * بالياء فيهما.
ثم قال تعالى: * (ذلكم أقسط عند الله وأقوم للشهادة وأدنى أن لا ترتابوا) * اعلم أن الله تعالى