يقتضي أن يكون الاهتداء الحاصل بالاختيار واقعا بتقدير الله تعالى وتخليقه وتكوينه وذلك هو المطلوب.
قالت المعتزلة * (ولكن الله يهدي من يشاء) * يحتمل وجوها أحدها: أنه يهدي بالإثابة والمجازاة من يشاء ممن استحق ذلك وثانيها: يهدي بالألطاف وزيادات الهدى من يشاء وثالثها: ولكن الله يهدي بالإكراه من يشاء على معنى أنه قادر على ذلك وإن لم يفعله ورابعها: أنه يهدي بالاسم والحكم من يشاء، فمن اهتدى استحق أن يمدح بذلك.
أجاب الأصحاب عن هذه الوجوه بأسرها أن المثبت في قوله * (ولكن الله يهدي من يشاء) * هو المنفي أولا بقوله * (ليس عليك هداهم) * لكن المراد بذلك المنفي بقوله أولا: * (ليس عليك هداهم) * هو الاهتداء على سبيل الاختيار، فالمثبت بقوله * (ولكن الله يهدي من يشاء) * يجب أن يكون هو الاهتداء على سبيل الاختيار، وعلى هذا التقدير يسقط كل الوجوه.
ثم قال: * (وما تنفقوا من خير فلأنفسكم) * فالمعنى: وكل نفقة تنفقونها من نفقات الخير فإنما هو لأنفسكم أي ليحصل لأنفسكم ثوابه فليس يضركم كفرهم.
ثم قال تعالى: * (وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله) * وفيه مسائل:
المسألة الأولى: في هذه الآية وجوه الأول أن يكون المعنى: ولستم في صدقتكم على أقاربكم من المشركين تقصدون إلا وجه الله، فقد علم الله هذا من قلوبكم، فانفقوا عليهم إذا كنتم إنما تبتغون بذلك وجه الله في صلة رحم وسد خلة مضطر؛ وليس عليكم اهتداؤهم حتى يمنعكم ذلك من الإنفاق عليهم الثاني: أن هذا وإن كان ظاهره خبرا إلا أن معناه نهي، أي ولا تنفقوا إلا ابتغاء وجه الله، وورد الخبر بمعنى الأمر والنهي كثيرا قال تعالى: * (الوالدات يرضعن أولادهن) * (البقرة: 233) * (والمطلقات يتربصن) * (البقرة: 228) الثالث: أن قوله * (وما تنفقون) * أي ولا تكونوا منفقين مستحقين لهذا الاسم الذي يفيد المدح حتى تبتغوا بذلك وجه الله.
المسألة الثانية: ذكر في الوجه في قوله * (إلا ابتغاء وجه الله) * قولان أحدهما: أنك إذا قلت: فعلته لوجه زيد فهو أشرف في الذكر من قولك: فعلته له لأن وجه الشيء أشرف ما فيه، ثم كثر حتى صار يعبر عن الشرف بهذا اللفظ والثاني: أنك إذا قلت: فعلت هذا الفعل له فههنا يحتمل أن يقال: فعلته له ولغيره أيضا، أما إذا قلت فعلت هذا الفعل لوجهه، فهذا يدل على أنك فعلت الفعل له فقط وليس لغيره فيه شركة.
المسألة الثالثة: أجمعوا على أنه لا يجوز صرف الزكاة إلى غير المسلم، فتكون هذه الآية مختصة