عز وجل والحس متى أعان العقل على المطلوب كان الفهم أتم والإدراك أكمل، ولذلك فإن المعاني الدقيقة إذا أريد إيضاحها ذكر لها مثال، فإن المثال يعين على الفهم.
أما قوله * (هو الذي يصوركم) * قال الواحدي: التصوير جعل الشيء على صورة، والصورة هيأة حاصلة للشيء عند إيقاع التأليف بين أجزائه وأصله من صاره يصوره إذا أماله، فهي صورة لأنها مائلة إلى شكل أبويه وتمام الكلام فيه ذكرناه في قوله تعالى: * (فصرهن إليك) * (البقرة: 260) وأما * (الأرحام) * فهي جمع رحم وأصلها من الرحمة، وذلك لأن الاشتراك في الرحم يوجب الرحمة والعطف، فلهذا سمي ذلك العضو رحما والله أعلم.
قوله تعالى * (هو الذى أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه بتغآء الفتنة وابتغآء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون ءامنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولوا الالباب) *.
إعلم أن في هذه الآية مسائل:
المسألة الأولى: قد ذكرنا في اتصال قوله * (إن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء) * بما قبله احتمالين أحدهما: أن ذلك كالتقرير لكونه قيوما والثاني: أن ذلك الجواب عن شبه النصارى، فأما على الاحتمال الأول فنقول: إنه تعالى أراد أن يبين أنه قيوم وقائم بمصالح الخلق ومصالح الخلق قسمان: جسمانية وروحانية، أما الجسمانية فأشرفها تعديل البنية، وتسوية المزاج على أحسن الصور وأكمل الأشكال، وهو المراد بقوله * (هو الذي يصوركم في الأرحام) * (آل عمران: 6) وأما الروحانية فأشرفها العلم الذي تصير الروح معه كالمرآة المجلوة التي تجلت صور جميع الموجودات فيها وهو المراد بقوله * (هو الذي أنزل عليك الكتاب) * وأما على الاحتمال الثاني فقد ذكرنا أن من جملة