النوع الثاني: من الأمور التي اعتبرها الله تعالى في المداينة الإشهاد، وهو قوله تعالى: * (واستشهدوا شهيدين من رجالكم) * واعلم أن المقصود من الكتابة هو الاستشهاد لكي يتمكن بالشهود عند الجحود من التوصل إلى تحصيل الحق، وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى: * (استشهدوا) * أي أشهدوا يقال: أشهدت الرجل واستشهدته، بمعنى: والشهيدان هما الشاهدان، فعيل بمعنى فاعل.
المسألة الثانية: الإضافة في قوله * (من رجالكم) * فيه وجوه الأول: يعني من أهل ملتكم وهم المسلمون والثاني: قال بعضهم: يعني الأحرار والثالث: * (من رجالكم) * الذين تعتدونهم للشهادة بسبب العدالة. المسألة الثالثة: شرائط الشهادة كثيرة مذكورة في كتب الفقه، ونذكر هاهنا مسألة واحدة وهي أن عند شريح وابن سيرين وأحمد تجوز شهادة العبد، وعند الشافعي وأبي حنيفة رضي الله عنهما لا تجوز، حجة شريح أن قوله تعالى: * (واستشهدوا شهيدين من رجالكم) * عام يتناول العبيد وغيرهم، والمعنى المستفاد من النص أيضا دال عليه، وذلك لأن عقل الإنسان ودينه وعدالته تمنعه من الكذب، فإذا شهد عند اجتماع هذه الشرائط تأكد به قول المدعي، فصار ذلك سببا في إحياء حقه، والعقل والدين والعدالة لا تختلف بسبب الحرية والرق، فوجب أن تكون شهادة العبيد مقبولة، حجة الشافعي وأبي حنيفة رضي الله عنهما قوله تعالى: * (ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا) * فهذا يقتضي أنه يجب على كل من كان شاهدا الذهاب إلى موضع أداء الشهادة، ويحرم عليه عدم الذهاب إلى أداء الشهادة، فلما دلت الآية على أن كل من كان شاهدا وجب عليه الذهاب والإجماع دل على أن العبد لا يجب عليه الذهاب، فوجب أن لا يكون العبد شاهدا، وهذا الاستدلال حسن.
وأما قوله تعالى: * (واستشهدوا شهيدين من رجالكم) * فقد بينا أن منهم من قال: واستشهدوا شهيدين من رجالكم الذين تعتدونهم لأداء الشهادة، وعلى هذا التقدير فلم قلتم أن العبيد كذلك.
ثم قال تعالى: * (فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان) * وفي ارتفاع رجل وامرأتان أربعة أوجه الأول: فليكن رجل وامرأتان والثاني: فليشهد رجل وامرأتان والثالث: فالشاهد رجل وامرأتان والرابع: فرجل وامرأتان يشهدون كل هذه التقديرات جائز حسن، ذكرها علي بن عيسى رحمه الله.
ثم قال: * (ممن ترضون من الشهداء) * وهو كقوله تعالى في الطلاق * (وأشهدوا ذوي عدل منكم) * (الطلاق: 2) واعلم أن هذه الآية تدل على أنه ليس كل أحد صالحا للشهادة والفقهاء قالوا: شرائط قبول الشهادة