الوجه الخامس: أن المشبه هو أن أموالهم وأولادهم لا تنفعهم في إزالة العذاب، فكان التشبيه بآل فرعون حاصلا في هذين الوجهين، والمعنى: أنكم قد عرفتم ما حل بآل فرعون ومن قبلهم من المكذبين بالرسل من العذاب المعجل الذي عنده لم ينفعهم مال ولا ولد، بل صاروا مضطرين إلى ما نزل بهم فكذلك حالكم أيها الكفار المكذبون بمحمد صلى الله عليه وسلم في أنه ينزل بكم مثل ما نزل بالقوم تقدم أو تأخر ولا تغني عنكم الأموال والأولاد.
الوجه السادس: يحتمل أن يكون وجه التشبيه أنه كما نزل بمن تقدم العذاب المعجل بالاستئصال فكذلك ينزل بكم أيها الكفار بمحمد صلى الله عليه وسلم وذلك من القتل والسبي وسلب الأموال ويكون قوله تعالى: * (قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم) * (آل عمران: 12) كالدلالة على ذلك فكأنه تعالى بين أنه كما نزل بالقوم العذاب المعجل، ثم يصيرون إلى دوام العذاب، فسينزل بمن كذب بمحمد صلى الله عليه وسلم أمران أحدهما: المحن المعجلة وهي القتل والسبي والإذلال، ثم يكون بعده المصير إلى العذاب الأليم الدائم، وهذان الوجهان الأخيران ذكرهما القاضي رحمه الله تعالى.
أما قوله تعالى: * (والذين من قبلهم) * فالمعنى: والذين من قبلهم من مكذبي الرسل، وقوله * (كذبوا بآياتنا) * المراد بالآيات المعجزات ومتى كذبوا بها فقد كذبوا لا محالة بالأنبياء.
ثم قال: * (فأخذهم الله بذنوبهم) * وإنما استعمل فيه الأخذ لأن من ينزل به العقاب يصير كالمأخوذ المأسور الذي لا يقدر على التخلص.
ثم قال: * (والله شديد العقاب) * وهو ظاهر.
قوله تعالى * (قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد) *.
وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى: قرأ حمزة والكسائي * (سيغلبون ويحشرون) * بالياء فيهما، والباقون بالتاء المنقطة من فوق فيهما، فمن قرأ بالياء المنقطة من تحت، فالمعنى: بلغهم أنهم سيغلبون، ويدل على صحة الياء قوله تعالى: * (قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله) * (الجاثية: 14) و * (قل للمؤمنين يغضوا) * (النور: 30) ولم يقل غضوا، ومن قرأ بالتاء فللمخاطبة، ويدل على حسن التاء قوله * (وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب) * (آل عمران: 81) والفرق بين القراءتين من حيث المعنى أن القراءة بالتاء أمر بأن يخبرهم بما سيجري