فقد جعل الفعل متعديا بهمزة الأفعال، وعامة المفسرين على أن هذا التذكير والإذكار من النسيان إلا ما يروى عن سفيان بن عيينة أنه قال في قوله * (فتذكر إحداهما الأخرى) * أن تجعلها ذكرا يعني أن مجموع شهادة المرأتين مثل شهادة الرجل الواحد، وهذا الوجه منقول عن أبي عمرو بن العلاء، قال: إذا شهدت المرأة ثم جاءت الأخرى فشهدت معها أذكرتها، لأنهما يقومان مقام رجل واحد وهذا الوجه باطل باتفاق عامة المفسرين، ويدل على ضعفه وجهان الأول: أن النساء لو بلغن ما بلغن، ولم يكن معهن رجل لم تجز شهادتهن، فإذا كان كذلك فالمرأة الثانية ما ذكرت الأولى.
الوجه الثاني: أن قوله * (فتذكر) * مقابل لما قبله من قوله * (أن تضل إحداهما) * فلما كان الضلال مفسر بالنسيان كان الإذكار مفسرا بما يقابل النسيان.
ثم قال تعالى: * (ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا) * وفيه مسائل:
المسألة الأولى: في هذه الآية وجوه الأول: وهو الأصح: أنه نهى الشاهد عن الامتناع عن أداء الشهادة عند احتياج صاحب الحق إليها والثاني: أن المراد تحمل الشهادة على الإطلاق، وهو قول قتادة واختيار القفال، قال: كما أمر الكاتب أن لا يأبى الكتابة، كذلك أمر الشاهد أن لا يأبى عن تحمل الشهادة، لأن كل واحد منهما يتعلق بالآخر، وفي عدمهما ضياع الحقوق الثالث: أن المراد تحمل الشهادة إذا لم يوجد غيره الرابع: وهو قول الزجاج: أن المراد بمجموع الأمرين التحمل أولا، والأداء ثانيا، واحتج القائلون بالقول الأول من وجوه الأول: أن قوله * (ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا) * يقتضي تقديم كونهم شهداء، وذلك لا يصح إلا عند أداء الشهادة، فأما وقت التحمل فإنه لم يتقدم ذلك الوقت كونهم شهداء.
فإن قيل: يشكل هذا بقوله * (واستشهدوا شهيدين من رجالكم) * وكذلك سماه كاتبا قبل أن يكتب.
قلنا: الدليل الذي ذكرناه صار متروكا بالضرورة في هذه الآية فلا يجوز أن نتركه لعلة ضرورة في تلك الآية والثاني: أن ظاهر قوله * (ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا) * النهي عن الامتناع، والأمر بالفعل، وذلك للوجوب في حق الكل، ومعلوم أن التحمل غير واجب على الكل، فلم يجز حمله عليه، وأما الأداء بعد التحمل فإنه واجب على الكل، ومتأكد بقوله تعالى: * (ولا تكتموا الشهادة) * فكان هذا أولى الثالث: أن الأمر بالإشهاد يفيد أمر الشاهد بالتحمل من بعض الوجوه، فصار الأمر بتحمل الشهادة داخلا في قوله * (واستشهدوا شهيدين من رجالكم) * فكان صرف قوله * (ولا