إن كان غير متناه في كل الجهات أو في بعض الجهات فهو محال لما ثبت بالبراهين القاطعة عدم إثبات أبعاد غير متناهية، وإن كان متناهيا من كل الجهات كانت الأحياز المحيطة بذلك المتناهي أعظم منه، فلا يكون مثل هذا الشيء عظيما على الاطلاق، فالحق أنه سبحانه وتعالى أعلى وأعظم من أن يكون من جنس الجواهر والأجسام تعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا.
قوله تعالى * (لا إكراه فى الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم) *.
فيه مسألتان:
المسألة الأولى: اللام في * (الدين) * فيه قولان أحدهما: أنه لام العهد والثاني: أنه بدل من الإضافة، كقوله * (فإن الجنة هي المأوى) * (النازعات: 41) أي مأواه، والمراد في دين الله.
المسألة الثانية: في تأويل الآية وجوه أحدها: وهو قول أبي مسلم والقفال وهو الأليق بأصول المعتزلة: معناه أنه تعالى ما بنى أمر الإيمان على الإجبار والقسر، وإنما بناه على التمكن والاختيار، ثم احتج القفال على أن هذا هو المراد بأنه تعالى لما بين دلائل التوحيد بيانا شافيا قاطعا للعذر، قال بعد ذلك: إنه لم يبق بعد إيضاح هذه الدلائل للكافر عذر في الإقامة على الكفر إلا أن يقسر على الإيمان ويجبر عليه، وذلك مما لا يجوز في دار الدنيا التي هي دار الابتلاء، إذ في القهر والإكراه على الدين بطلان معنى الابتلاء والامتحان، ونظير هذا قوله تعالى: * (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) * (الكهف: 29) وقال في سورة أخرى * (ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين) * (الشعراء: 3، 4) وقال في سورة الشعراء * (لعلك باخع نفسك الآ يكونوا مؤمنين، إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين) * ومما يؤكد هذا القول أنه تعالى قال بعد هذه الآية * (قد تبين الرشد من الغي) * يعني ظهرت الدلائل، ووضحت البينات، ولم يبق بعدها إلا طريق القسر والإلجاء والإكراه، وذلك غير جائز لأنه ينافي التكليف فهذا تقرير هذا التأويل.
القول الثاني: في التأويل هو أن الإكراه أن يقول المسلم للكافر: إن آمنت وإلا قتلتك فقال تعالى: * (لا إكراه في الدين) * أما في حق أهل الكتاب وفي حق المجوس، فلأنهم إذا قبلوا