القصة الثالثة وهي أيضا دالة على صحة البعث:
* (وإذ قال إبراهيم رب أرنى كيف تحى الموتى قال أو لم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبى قال فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا ثم ادعهن يأتينك سعيا واعلم أن الله عزيز حكيم) *.
في الآية مسائل:
المسألة الأولى: في عامل * (إذ) * قولان قال الزجاج التقدير: أذكر إذ قال إبراهيم، وقال غيره إنه معطوف على قوله * (ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم) * ألم تر إذ حاج إبراهيم في ربه، وألم تر إذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى.
المسألة الثانية: أنه تعالى لم يسم عزيرا حين قال: * (أو كالذي مر على قرية) * (البقرة: 259) وسمى هاهنا إبراهيم مع أن المقصود من البحث في كلتا القصتين شيء واحد، والسبب أن عزيرا لم يحفظ الأدب، بل قال: * (أنى يحيي هذه الله بعد موتها) * وإبراهيم حفظ الأدب فإنه أثنى على الله أولا بقوله * (رب) * ثم دعا حيث قال: * (أرني) * وأيضا أن إبراهيم لما راعى الأدب جعل الإحياء والإماتة في الطيور، وعزيرا لما لم يراع الأدب جعل الإحياء والإماتة في نفسه.
المسألة الثالثة: ذكروا في سبب سؤال إبراهيم وجوها الأول: قال الحسن والضحاك وقتادة وعطاء وابن جريج: أنه رأى جيفة مطروحة في شط البحر فإذا مد البحر أكل منها دواب البحر، وإذا جزر البحر جاءت السباع فأكلت، وإذا ذهبت السباع جاءت الطيور فأكلت وطارت، فقال إبراهيم: رب أرني كيف تجمع أجزاء الحيوان من بطون السباع والطيور ودواب البحر، فقيل: أو لم تؤمن قال بلى ولكن المطلوب من السؤال أن يصير العلم بالاستدلال ضروريا.