القول في تأويل قوله تعالى: * (فكلي واشربي وقري عينا فإما ترين من البشر أحدا فقولي إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا) *.
يقول تعالى ذكره: فكلي من الرطب الذي يتساقط عليك، واشربي من ماء السري الذي جعله ربك تحتك، لا تخشي جوعا ولا عطشا وقري عينا يقول: وطيبي نفسا وافرحي بولادتك إياي ولا تحزني. ونصبت العين لأنها هي الموصوفة بالقرار. وإنما معنى الكلام: ولتقرر عينك بولدك، ثم حول الفعل عن العين إلى المرأة صاحبة العين، فنصبت العين إذ كان الفعل لها في الأصل على التفسير، نظير ما فعل بقوله: فإن طبن لكم عن شئ منه نفسا وإنما هو: فإن طابت أنفسهن لكم. وقوله: وضاق بهم ذرعا ومنه قوله: يساقط عليك رطبا جنيا إنما هو يساقط عليك رطب الجذع، فحول الفعل إلى الجذع، في قراءة من قرأه بالياء. وفي قراءة من قرأه: تساقط بالتاء، معناه: يساقط عليك رطب النخلة، ثم حول الفعل إلى النخلة.
وقد اختلفت القراء في قراءة قوله: وقري فأما أهل المدينة فقرأوه: وقري بفتح القاف على لغة من قال: قررت بالمكان أقر به، وقررت عينا، أقر به قرورا، وهي لغة قريش فيما ذكر لي وعليها القراءة. وأما أهل نجد فإنها تقول قررت به عينا أقربه قرارا وقررت بالمكان أقر به، فالقراءة على لغتهم: وقري عينا بكسر القاف، والقراءة عندنا على لغة قريش بفتح القاف.
وقوله: فإما ترين من البشر أحدا يقول: فإن رأيت من بني آدم أحدا يكلمك أو يسائلك عن شئ من أمرك وأمر ولدك وسبب ولادتك له فقولي إني نذرت للرحمن صوما يقول: فقولي: إني أوجبت على نفسي لله صمتا ألا أكلم أحدا من بني آدم اليوم فلن أكلم اليوم إنسيا.