وقوله: إذ قضي الامر يقول: إذ فرغ من الحكم لأهل النار بالخلود فيها، ولأهل الجنة بمقام الأبد فيها، بذبح الموت. وقوله: وهم في غفلة يقول: وهؤلاء المشركون في غفلة عما الله فاعل بهم يوم يأتونه خارجين إليه من قبورهم، من تخليده إياهم في جهنم، وتوريثه مساكنهم من الجنة غيرهم وهم لا يؤمنون يقول تعالى ذكره: وهم لا يصدقون بالقيامة والبعث، ومجازاة الله إياهم على سيئ أعمالهم، بما أخبر أنه مجازيهم به. القول في تأويل قوله تعالى: * (إنا نحن نرث الأرض ومن عليها وإلينا يرجعون) *.
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): لا يحزنك تكذيب هؤلاء المشركين يا محمد فيما أتيتهم به من الحق، فإن إلينا مرجعهم ومصيرهم ومصير جميع الخلق غيرهم، ونحن وارثو الأرض ومن عليها من الناس، بفنائهم منها، وبقائها لا مالك لها غيرنا، ثم علينا جزاء كل عامل منهم بعمله، عند مرجعه إلينا، المحسن منهم بإحسانه، والمسئ بإساءته. القول في تأويل قوله تعالى: * (واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صديقا نبيا ئ إذ قال لأبيه يأبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا) *.
يقول تعالى ذكره لنبيه: واذكر يا محمد في كتاب الله إبراهيم خليل الرحمن، فاقصص على هؤلاء المشركين قصصه وقصص أبيه، إنه كان صديقا يقول: كان من أهل الصدق في حديثه وأخباره ومواعيده لا يكذب، والصديق هو الفعيل من الصدق. وقد بينا ذلك فيما مضى، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. نبيا يقول: كان الله قد نبأه وأوحى إليه. وقوله: إذ قال لأبيه يقول: أذكره حين قال لأبيه يا أبت لم تعبد ما لا يسمع يقول: ما تصنع بعبادة الوثن الذي لا يسمع ولا يبصر شيئا ولا يغني عنك شيئا يقول: ولا يدفع عنك ضر شئ، إنما هو صورة مصورة لا تضر ولا تنفع. يقول ما تصنع بعبادة ما هذه صفته؟ اعبد الذي إذا دعوته سمع دعاءك، وإذا أحيط بك أبصرك فنصرك، وإذا نزل بك ضر دفع عنك.
واختلف أهل العربية في وجه دخول الهاء في قوله يا أبت فكان بعض نحويي أهل البصرة يقول: إذا وقفت عليها قلت: يا أبه، وهي هاء زيدت نحو قولك: يا أمه، ثم يقال: