من نفسي، أن يكون أراد: أخفيها من قبلي ومن عندي. وكل هذه الأقوال التي ذكرنا عمن ذكرنا توجيه منهم للكلام إلى غير وجهه المعروف، وغير جائز توجيه معاني كلام الله إلى غير الأغلب عليه من وجوهه عند المخاطبين به، ففي ذلك مع خلافهم تأويل أهل العلم فيه شاهد عدل على خطأ ما ذهبوا إليه فيه.
وقوله: لتجزى كل نفس بما تسعى يقول تعالى ذكره: إن الساعة آتية لتجزى كل نفس يقول: لتثاب كل نفس امتحنها ربها بالعبادة في الدنيا بما تسعى، يقول: بما تعمل من خير وشر، وطاعة ومعصية. وقوله: فلا يصدنك عنها يقول تعالى ذكره: فلا يردنك يا موسى عن التأهب للساعة، من لا يؤمن بها، يعني: من لا يقر بقيام الساعة، ولا يصدق بالبعث بعد الممات، ولا يرجو ثوابا، ولا يخاف عقابا. وقوله: واتبع هواه يقول: اتبع هوى نفسه، وخالف أمر الله ونهيه فتردى يقول: فتهلك إن أنت انصددت عن التأهب للساعة، وعن الايمان بها، وبأن الله باعث الخلق لقيامها من قبورهم بعد فنائهم بصد من كفر بها. وكان بعضهم يزعم أن الهاء والألف من قوله فلا يصدنك عنها كناية عن ذكر الايمان، قال: وإنما قيل عنها وهي كناية عن الايمان كما قيل إن ربك من بعدها لغفور رحيم يذهب إلى الفعلة، ولم يجر للايمان ذكر في هذا الموضع، فيجعل ذلك من ذكره، وإنما جرى ذكر الساعة، فهو بأن يكون من ذكرها أولى. القول في تأويل قوله تعالى:
* (وما تلك بيمينك يا موسى) *.
يقول تعالى ذكره: وما هذه التي في يمينك يا موسى؟ فالباء في قوله بيمينك من صلة تلك، والعرب تصل تلك وهذه كما تصل الذي ومنه قول يزيد بن مفرغ:
عدس ما لعباد عليك إمارة * أمنت وهذا تحملين طليق كأنه قال: والذي تحملين طليق.
ولعل قائلا أن يقول: وما وجه استخبار الله موسى عما في يده؟ ألم يكن عالما بأن الذي في يده عصا؟ قيل له: إن ذلك على غير الذي ذهبت إليه، وإنما قال ذلك عز ذكره له