يعقوب بن عبد الله، قال: ثني أبو الحويرث، عن نافع بن جبير بن مطعم، قال: قال ابن الكواء لعلي بن أبي طالب: ما الأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا؟ قال:
أنت وأصحابك.
والصواب من القول في ذلك عندنا، أن يقال: إن لله عز وجل عنى بقوله: هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا كل عامل عملا يحسبه فيه مصيبا، وأنه الله بفعله ذلك مطيع مرض، وهو بفعله ذلك لله مسخط، وعن طريق أهل الايمان به جائر كالرهابنة والشمامسة وأمثالهم من أهل الاجتهاد في ضلالتهم، وهم مع ذلك من فعلهم واجتهادهم بالله كفرة، من أهل أي دين كانوا.
وقد اختلف أهل العربية في وجه نصب قوله أعمالا، فكان بعض نحويي البصرة يقول: نصب ذلك لأنه لما أدخل الألف واللام والنون في الأخسرين لم يوصل إلى الإضافة، وكانت الأعمال من الأخسرين فلذلك نصب. وقال غيره: هذا باب الأفعل والفعلي، مثل الأفضل والفضلي، والأخسر والخسرى، ولا تدخل فيه الواو، ولا يكون فيه مفسر، لأنه قد انفصل بمن هو كقوله الأفضل والفضلي، وإذا جاء معه مفسر كان للأول والآخر، وقال: ألا ترى أنك تقول: مررت برجل حسن وجها، فيكون الحسن للرجل والوجه، وكذلك كبير عقلا، وما أشبهه قال: وإنما جاز في الأخسرين، لأنه رده إلى الأفعل والأفعلة. قال: وسمعت العرب تقول: الأولات دخولا، والآخرات خروجا، فصار للأول والثاني كسائر الباب قال: وعلى هذا يقاس.
وقوله: الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا يقول: هم الذين لم يكن عملهم الذي عملوه في حياتهم الدنيا على هدى واستقامة، بل كان على جور وضلالة، وذلك أنهم عملوا بغير ما أمرهم الله به بل على كفر منهم به، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا يقول:
وهم يظنون أنهم بفعلهم ذلك لله مطيعون، وفيما ندب عباده إليه مجتهدون، وهذا من أدل الدلائل على خطأ قول من زعم أنه لا يكفر بالله أحد إلا من حيث يقصد إلى الكفر بعد العلم بوحدانيته، وذلك أن الله تعالى ذكره أخبر عن هؤلاء الذين وصف صفتهم في هذه الآية، أن سعيهم الذي سعوا في الدنيا ذهب ضلالا، وقد كانوا يحسبون أنهم محسنون في صنعهم ذلك، وأخبر عنهم أنهم هم الذين كفروا بآيات ربهم. ولو كان القول كما قال الذين زعموا أنه لا يكفر بالله أحد إلا من حيث يعلم، لوجب أن يكون هؤلاء القوم في عملهم الذي أخبر الله عنهم أنهم كانوا يحسبون فيه أنهم يحسنون صنعه، كانوا مثابين مأجورين عليها، ولكن