أول ما حمل نوح في الفلك من الدواب الدرة، وآخر ما حمل الحمار فلما دخل الحمار وأدخل صدره مسك إبليس بذنبه، فلم تستقل رجلاه، فجعل نوح يقول: ويحك ادخل فينهض فلا يستطيع حتى قال نوح: ويحك ادخل وإن كان الشيطان معك قال: كلمة زلت عن لسانه. فلما قالها نوح خلى الشيطان سبيله، فدخل ودخل الشيطان معه، فقال له نوح:
ما أدخلك علي يا عدو الله؟ فقال: ألم تقل: ادخل وإن كان الشيطان معك؟ قال: اخرج عنها عني يا عدو الله فقال: ما لك بد من أن تحملني. فكان فيما يزعمون في ظهر الفلك. فلما اطمأن نوح في الفلك، وأدخل فيه من آمن به، وكان ذلك في الشهر من السنة التي دخل فيها نوح بعد ست مئة سنة من عمره لسبع عشرة ليلة مضت من الشهر فلما دخل وحمل معه من حمل، تحرك ينابيع الغوط الأكبر، وفتح أبواب السماء، كما قال الله لنبيه محمد (ص): ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر وفجرنا الأرض عيونا فالتقى الماء على أمر قد قدر فدخل نوح ومن معه الفلك وغطاه عليه وعلى من معه بطبقة، فكان بين أن أرسل الله الماء وبين أن احتمل الماء الفلك أربعون يوما وأربعون ليلة. ثم احتمل الماء كما تزعم أهل التوراة، وكثر الماء واشتد وارتفع يقول الله لمحمد: وحملناه على ذات ألواح ودسر والدسر: المسامير، مسامير الحديد. فجعلت الفلك تجري به وبمن معه في موج كالجبال ونادى نوح ابنه الذي هلك فيمن هلك، وكان في معزل حين رأى نوح من صدق موعد ربه ما رأى فقال: يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين وكان شقيا قد أضمر كفرا، قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء وكان عهد الجبال وهي حرز من الأمطار إذا كانت، فظن أن ذلك كما كان يعهد. قال نوح: لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم وحال بينهما الموج فكان من المغرقين وكثر الماء حتى طغى وارتفع فوق الجبال كما تزعم أهل التوراة بخمسة عشر ذراعا، فباد ما على وجه الأرض من الخلق من كل شئ فيه الروح أو شجر، فلم يبق شئ من الخلائق إلا نوح ومن معه في الفلك، وإلا عوج بن عنق فيما يزعم أهل الكتاب. فكان بين أن أرسل الله الطوفان وبين أن غاض الماء ستة أشهر وعشر ليال