وصار الاعتماد على الثانية، كما قيل: وهم بالآخرة هم يوقنون وكما قيل: أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما أنكم مخرجون.
فإن قال قائل: ما وجه هذا الخبر ومعناه من يوسف، وأين جوابه الفتيين عما سألاه من تعبير رؤياهما من هذا الكلام؟
قيل له: إن يوسف كره أن يجيبهما عن تأويل رؤياهما لما علم من مكروه ذلك على أحدهما، فأعرض عن ذكره وأخذ في غيره ليعرضا عن مسألته الجواب بما سألاه من ذلك.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، في قوله: إني أراني أعصر خمرا وقال الآخر إني أراني أحمل فوق رأسي خبزا تأكل الطير منه نبئنا بتأويله. قال: فكره العبارة لهما، وأخبرهما بشئ لم يسألاه عنه ليريهما أن عنده علما. وكان الملك إذا أراد قتل انسان، صنع له طعاما معلوما، فأرسل به إليه، فقال يوسف: لا يأتيكما طعام ترزقانه.... إلى قوله: تشكرون. فلم يدعاه، فعدل بهما، وكره العبارة لهما، فلم يدعاه حتى يعبر لهما، فعدل بهما وقال: يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار... إلى قوله: يعلمون فلم يدعاه حتى عبر لهما، فقال: يا صاحبي السجن أما أحدكما فيسقي ربه خمرا وأما الآخر فيصلب فتأكل الطير من رأسه. قالا: ما رأينا شيئا، إنما كنا نلعب قال: قضي الامر الذي فيه تستفتيان.
وعلى هذا التأويل الذي تأوله ابن جريج. فقوله: لا يأتيكما طعام ترزقانه في اليقظة لا في النوم. وإنما أعلمهما على هذا القول أن عنده علم ما يؤول إليه أمر الطعام الذي يأتيهما من عند الملك ومن عند غيره، لأنه قد علم النوع الذي إذا أتاهما كان علامة لقتل من أتاه ذلك منهما، والنوع الذي إذا أتاه كان علامة لغير ذلك، فأخبرهما أنه عنده علم ذلك.
القول في تأويل قوله تعالى: