أن يكون: ويتلو القرآن شاهد من الله، ومن قبل القرآن كتاب موسى؟ قيل: إن القراء في الأمصار قد أجمعت على قراءة ذلك بالرفع فلم يكن لاحد خلافها، ولو كانت القراءة جاءت في ذلك بالنصب كانت قراءة صحيحة ومعنى صحيحا.
فإن قال: فما وجه رفعهم إذا الكتاب على ما ادعيت من التأويل؟ قيل: وجه رفعهم هذا أنهم ابتدأوا الخبر عن مجئ كتاب موسى قبل كتابنا المنزل على محمد، فرفعوه ب من قبله، والقراءة كذلك، والمعنى الذي ذكرت من معنى تلاوة جبرئيل ذلك قبل القرآن، وأن المراد من معناه ذلك وإن كان الخبر مستأنفا على ما وصفت اكتفاء بدلالة الكلام على معناه.
وأما قوله: إماما فإنه نصب على القطع من كتاب موسى، وقوله ورحمة عطف على الامام، كأنه قيل: ومن قبله كتاب موسى إماما لبني إسرائيل يأتمون به، ورحمة من الله تلاه على موسى. كما:
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن أبيه، عن منصور، عن إبراهيم، في قوله: ومن قبله كتاب موسى قال: من قبله جاء بالكتاب إلى موسى. وفي الكلام محذوف قد ترك ذكره اكتفاء بدلالة ما ذكر عليه منه، وهو: أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة كمن هو في الضلالة متردد، لا يهتدي لرشد، ولا يعرف حقا من باطل، ولا يطلب بعمله الحياة الدنيا وزينتها؟ وذلك نظير قوله: أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون والدليل على حقيقة ما قلنا في ذلك أن ذلك عقيب قوله: من كان يريد الحياة الدنيا... الآية، ثم قيل: أهذا خير أمن كان على بينة من ربه؟ والعرب تفعل ذلك كثيرا إذا كان فيما ذكرت دلالة على مرادها على ما حذفت، وذلك كقول الشاعر:
فأقسم لو شئ أتانا رسوله * سواك ولكن لم نجد لك مدفعا