كذبا يقول: قد اختلقنا على الله كذبا، وتخرصنا عليه من القول باطلا إن نحن عدنا في ملتكم، فرجعنا فيها بعد إذ أنقذنا الله منها، بأن بصرنا خطأها وصواب الهدى الذي نحن عليه، وما يكون لنا أن نرجع فيها فندين بها ونترك الحق الذي نحن عليه. إلا أن يشاء الله ربنا: إلا أن يكون سبق لنا في علم الله أنا نعود فيها، فيمضي فينا حينئذ قضاء الله، فينفذ مشيئته علينا. وسع ربنا كل شئ علما يقول: فإن علم ربنا وسع كل شئ فأحاط به، فلا يخفى عليه شئ كان ولا شئ هو كائن فإن يكن سبق لنا في علمه أنا نعود في ملتكم ولا يخفى عليه شئ كان ولا شئ هو كائن، فلا بد من أن يكون ما قد سبق في علمه، وإلا فإنا غير عائدين في ملتكم.
وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
11534 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: قد افترينا على الله كذبا إن عدنا في ملتكم بعد إذ نجانا الله منها وما يكون لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء الله ربنا وسع ربنا كل شئ علما على الله توكلنا ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق يقول: ما ينبغي لنا أن نعود في شرككم بعد إذ نجانا الله منه إلا أن يشاء الله ربنا، فالله لا يشاء الشرك، ولكن يقول: إلا أن يكون الله قد علم شيئا، فإنه وسع كل شئ علما.
وقوله: على الله توكلنا يقول: على الله نعتمد في أمورنا وإليه نستند فيما تعدوننا به من شرككم أيها القوم، فإنه الكافي من توكل عليه. ثم فزع صلوات الله عليه إلى ربه بالدعاء على قومه، إذ آيس من فلاحهم، وانقطع رجاؤه من إذعانهم لله بالطاعة والاقرار له بالرسالة، وخاف على نفسه وعلى من اتبعه من مؤمني قومه من فسقتهم العطب والهلكة بتعجيل النقمة، فقال: ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق يقول: احكم بيننا وبينهم بحكمك الحق الذي لا جور فيه ولا حيف ولا ظلم، ولكنه عدل وحق وأنت خير الفاتحين يعني: خير الحاكمين. ذكر الفراء أن أهل عمان يسمون القاضي: الفاتح والفتاح. وذكر غيره من أهل العلم بكلام العرب أنه من لغة مراد، وأنشد لبعضهم بيتا وهو:
ألا أبلغ بني عصم رسولا فإني عن فتاحتكم غني