الاسترخاء عنهم، فبلغ ذلك من كان بأرض الحبشة من أصحاب رسول الله (ص) أنه قد استرخي عمن كان منهم بمكة وأنهم لا يفتنون، فرجعوا إلى مكة وكادوا يأمنون بها، وجعلوا يزدادون ويكثرون. وإنه أسلم من الأنصار بالمدينة ناس كثير، وفشا بالمدينة الاسلام، وطفق أهل المدينة يأتون رسول الله (ص) بمكة فلما رأت قريش ذلك، توامرت على أن يفتنوهم، ويشدوا عليهم، فأخذوهم وحرصوا على أن يفتنوهم، فأصابهم جهد شديد، وكانت الفتنة الآخرة، فكانت ثنتين: فتنة أخرجت من خرج منهم إلى أرض الحبشة حين أمرهم رسول الله (ص) بها وأذن لهم في الخروج إليها، وفتنة لما رجعوا ورأوا من يأتيهم من أهل المدينة. ثم إنه جاء رسول الله (ص) من المدينة سبعون نفسا رؤوس الذين أسلموا، فوافوه بالحج، فبايعوه بالعقبة، وأعطوه على: أنا منك وأنت منا، وعلى: أن من جاء من أصحابك أو جئتنا فإنا نمنعك مما نمنع منه أنفسنا. فاشتدت عليهم قريش عند ذلك، فأمر رسول الله (ص) أصحابه أن يخرجوا إلى المدينة، وهي الفتنة الآخرة التي أخرج فيها رسول الله (ص) أصحابه وخرج هو، وهي التي أنزل الله فيها: وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله.
* - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن أبيه، عن عروة بن الزبير، أنه كتب إلى الوليد: أما بعد، فإنك كتبت إلي تسألني عن مخرج رسول الله (ص) من مكة، وعندي بحمد الله من ذلك علم بكل ما كتبت تسألني عنه، وسأخبرك إن شاء الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ثم ذكر نحوه.
12482 - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا قيس، عن الأعمش، عن مجاهد: وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة قال: يساف ونائلة صنمان كانا يعبدان.
وأما قوله: فإن انتهوا فإن معناه: فإن انتهوا عن الفتنة، وهي الشرك بالله، وصاروا إلى الدين الحق معكم. فإن الله بما يعملون بصير يقول: فإن الله لا يخفى عليه ما يعملون من ترك الكفر والدخول في دين الاسلام لأنه يبصركم ويبصر أعمالكم والأشياء كلها متجلية له لا تغيب عنه ولا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين.