وقال آخرون: بل عني بها قوم من المؤمنين كانوا أشاروا على النبي (ص) بطرد القوم الذين نهاه الله عن طردهم، فكان ذلك منهم خطيئة، فغفرها الله لهم وعفا عنهم، وأمر نبيه (ص) إذا أتوه أن يبشرهم بأن قد غفر لهم خطيئتهم التي سلفت منهم بمشورتهم على النبي (ص) بطرد القوم الذين أشاروا عليه بطردهم. وذلك قول عكرمة وعبد الرحمن بن زيد، وقد ذكرنا الرواية عنهما بذلك قبل.
وأولى الأقوال في ذلك عندي بتأويل الآية، قول من قال: المعنيون بقوله: وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم غير الذين نهي الله النبي (ص) عن طردهم، لان قوله: وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا خبر مستأنف بعد تقصي الخبر عن الذين نهى الله نبيه (ص) عن طردهم، ولو كانوا هم لقيل: وإذا جاؤوك فقل سلام عليكم، وفي ابتداء الله الخبر عن قصة هؤلاء وتركه وصل الكلام بالخبر عن الأولين ما ينبئ عن أنهم غيرهم.
فتأويل الكلام إذ كان الامر على ما وصفنا: وإذا جاءك يا محمد القوم الذين يصدقون بتنزيلنا وأدلتنا وحججنا فيقرون بذلك قولا وعملا، مسترشديك عن ذنوبهم التي سلفت منهم بيني وبينهم، هل لهم منها توبة؟ فلا تؤيسهم منها، وقل لهم: سلام عليكم: أمنة الله لكم من ذنوبكم أن يعاقبكم عليها بعد توبتكم منها، كتب ربكم على نفسه الرحمة يقول: قضى ربكم الرحمة بخلقه، أنه من عمل منكم سوءا بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فإنه غفور رحيم.
واختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء المدنيين: أنه من عمل منكم سوءا فيجعلون أن منصوبة على الترجمة بها عن الرحمة، ثم تاب من بعده وأصلح فإنه غفور رحيم على ائتناف إنه بعد الفاء فيكسرونها ويجعلونها أداة لا موضع لها، بمعنى:
فهو له غفور رحيم، أو فله المغفرة والرحمة. وقرأهما بعض الكوفيين بفتح الألف منهما جميعا، بمعنى: كتب ربكم على نفسه الرحمة، ثم ترجم بقوله: أنه من عمل منكم سوءا بجهالة عن الرحمة فإنه غفور رحيم، فيعطف فإنه الثانية على أنه الأولى، ويجعلهما اسمين منصوبين على ما بينت. وقرأ ذلك بعض المكيين وعامة قراء أهل العراق من الكوفة والبصرة بكسر الألف من إنه و " فإنه " على الابتداء، وعلى أنهما أداتان لا موضع لهما.