ولا تفهموا مفهوما، أي إله غير الله الذي له عبادة كل عابد يأتيكم به يقول: يرد عليكم ما ذهب الله به منكم من الاسماع والابصار والافهام فتعبدوه أو تشركوه في عبادة ربكم الذي يقدر على ذهابه بذلك منكم وعلى رده عليكم إذا شاء.
وهذا من الله تعالى تعليم نبيه الحجة على المشركين به، يقول له: قل لهم: إن الذين تعبدونهم من دون الله لا يملكون لكم ضرا ولا نفعا، وإنما يستحق العبادة عليكم من كان بيده الضر والنفع والقبض والبسط، القادر على كل ما أراد لا العاجز الذي لا يقدر على شئ. ثم قال تعالى لنبيه محمد (ص): انظر كيف نصرف الآيات يقول: انظر كيف نتابع عليهم الحجج ونضرب لهم الأمثال والعبر ليعتبروا ويذكروا فينيبوا. ثم هم يصدفون يقول: ثم هم مع متابعتنا عليهم الحجج وتنبيهنا إياهم بالعبر عن الادكار والاعتبار يعرضون، يقال منه: صدف فلان عني بوجهه فهو يصدف صدوفا وصدفا: أي عدل وأعرض، ومنه قول ابن الرقاع:
إذا ذكرن حديثا قلن أحسنه * وهن عن كل سوء يتقى صدف وقال لبيد:
يروي قوامح قبل الليل صادفة * أشباه جن عليها الريط والأزر فإن قال قائل: وكيف قيل: من إله غير الله يأتيكم به فوحد الهاء، وقد مضى الذكر قبل بالجمع فقال: أرأيتم إن أخذ الله سمعكم وأبصاركم وختم على قلوبكم؟
قيل: جائز أن تكون الهاء عائدة على السمع، فتكون موحدة لتوحيد السمع، وجائز أن تكون معنيا بها: من إله غير الله يأتيكم بما أخذ منكم من السمع والابصار والأفئدة، فتكون موحدة لتوحيد ما، والعرب تفعل ذلك إذا كنت عن الأفعال وحدت الكناية وإن كثر ما يكنى بها عنه من الأفاعيل، كقوله: إقبالك وإدبارك يعجبني. وقد قيل: إن الهاء التي في به كناية عن الهدى.