على الفرار من الميدان في " أحد " فتابوا إلى الله، واطمأنوا إلى وعود النبي الكريم حول المستقبل، قد أخذهم نوم مريح، وغلبهم نعاس هانئ ولذيذ وهم في عدة الحرب، في الوقت الذي كان فيه المنافقون وضعاف الإيمان، والجبناء يعانون من كابوس الأوهام والوساوس طوال الليل، ولم يذوقوا لذة النوم، فكانوا - من حيث لا يشعرون ولا يقصدون - يحرسون المؤمنين الحقيقين الذين كانوا يستريحون في تلك النومة الطارئة اللذيذة. وإلى هذا كله يشير الكتاب العزيز في الآية الحاضرة إذ يقول: ثم أنزل عليكم من بعد الغم امنة (1) نعاسا يغشى طائفة منكم، وطائفة قد أهمتهم أنفسهم.
أجل، إن المنافقين والجبناء وضعاف النفوس والإيمان لم يزرهم النوم ولا حتى النعاس في تلك الليلة خوفا على نفوسهم، وعلى أرواحهم، وجريا وراء الوساوس الشيطانية، والمخاوف التي هي من طبيعة ولوازم النفاق وضعف اليقين ووهن الإيمان، فيما ان المؤمنون الصادقون يستريحون في ذلك النعاس اللذيذ، وتلك النومة الطارئة الهانئة، وهذا هو أحد آثار الإيمان وثماره المهمة البارزة، فإن المؤمن يحظى بالراحة والطمأنينة حتى في هذه الدنيا، على العكس من غير المؤمنين من الكفار أو المنافقين أو ضعاف الإيمان، فإنهم محرومون من الطمأنينة والراحة اللذيذة تلك.
ثم إن القرآن الكريم يعمد إلى بيان واستعراض طبيعة ما كان يدور بين أولئك المنافقين وضعاف الإيمان من أحاديث وحوار، وما كان يدور في خلدهم من ظنون وأفكار، إذ يقول: يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية.
إنهم كانوا يظنون بالله ما كانوا يظنونه به أيام كانوا يعيشون في الجاهلية، وقبل أن تبزغ عليهم شمس الإسلام، فقد كانوا يتصورون أن الله سيكذبهم وعده،