سال لعابهم لها حتى أنهم تركوا موقعهم الخطير في الجبل، بينما بقيت جماعة أخرى قليلة مثل " عبد الله بن جبير " وبعض الرماة ثابتين في مكانهم يذبون عنه الأعداء ويطلبون الآخرة والثواب الإلهي العظيم.
وهنا تغير مجرى الأمور، وانعكست القضية فبدل الله الانتصار إلى الهزيمة ليمتحنكم وينبهكم، ويربيكم: ولقد صرفكم عنهم ليبتليكم.
ثم إن سبحانه غفر لكم كل ما صدر وبدر عنكم من عصيان وتجاهل لأوامر الرسول وما ترتب على ذلك من التبعات في حين كنتم تستحقون العقاب، وما ذلك إلا لأن الله لا يضن بنعمة على المؤمنين، ولا يبخل عليهم بموهبة ولقد عفا عنكم، والله ذو فضل على المؤمنين.
أجل، إنه تعالى يحب المؤمنين، ولا يتركهم وشأنهم ولا يكلهم إلى أنفسهم إلا في بعض الأحيان ليتنبهوا، ويثوبوا إلى رشدهم فيزدادوا التصاقا بالشريعة، واهتماما بالمسؤوليات، ويقظة وإحساسا.
ثم إنه سبحانه يذكر المسلمين بموقفهم في نهاية معركة " أحد " فيقول: إذ تصعدون (1) ولا تلوون على أحد والرسول يدعوكم في أخراكم (2) أي تذكروا إذ فررتم من المعركة، ورحتم تلوذون بالجبل أو تنتشرون في السهل، تاركين رسول الله وحده بين المهاجمين المباغتين من المشركين وهو يدعوكم من ورائكم ويناديكم قائلا: " إلي عباد الله - إلي عباد الله فإني رسول الله " وأنتم لا تلتفتون إلى الوراء أبدا، ولا تلبون نداء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
وفي ذلك الوقت أخذت الهموم والأحزان تترى عليكم فأثابكم غما بغم،