حجر آخر غيره في هذا العالم، وهي أن هذا الحجر أسبق شئ استخدم كمادة إنشائية في أقدم بيت شيد لعبادة الله، وتقديسه، وتوحيده، فإننا نعلم بأن جميع المعابد حتى الكعبة قد فقدت موادها الإنشائية في كل عملية انهدام وتجديد، عدا هذه القطعة من الصخر التي بقيت منذ آلاف السنين، واستخدمت في بناء هذه البنية المعظمة على طول التاريخ منذ تأسيسها وإلى الآن. ولا شك أن لهذه الاستمرارية، وتلك الأسبقية في طريق الله وفي خدمة الناس قيمة وأهمية من شأنها أن تكسب الأشياء والأشخاص ميزة لا يمكن تجاهلها.
كل هذا مضافا إلى أن هذه الصخرة ليست إلا تاريخ صامت لأجيال كثيرة من المؤمنين في الأعصر المختلفة، فهي تحيي ذكرى استلام الأنبياء العظام وعباد الله البررة لها، وعبادتهم، وتضرعهم إلى الله في جوارها عبر آلاف السنين ومئات من القرون والأحقاب.
على أن ثمة أمرا آخر ينبغي الانتباه إليه وهو: أن الآية المبحوثة هنا تصرح بأن الكعبة هي أول بيت وضع للناس، ومن المعلوم أنه وضع لغرض العبادة فهو أول بيت وضع للعبادة إذن، وهو أمر لا يمنع من أن يكون قد شيدت في الأرض قبل الكعبة بيوت للسكن.
وهذا التعبير رد واضح على كل أولئك (1) الذين يدعون أن النبي إبراهيم (عليه السلام) هو أول من أسس الكعبة المشرفة، ويعتبرون بناءها على يدي آدم (عليه السلام) من قبيل الأساطير، في حين أن من المسلم وجود بيوت للعبادة في العالم قبل إبراهيم (عليه السلام) كان يتعبد فيها من سبقه من الأنبياء مثل نوح (عليه السلام) فكيف تكون الكعبة التي هي أول بيت وضع للعبادة في العالم قد أسست على يدي إبراهيم (عليه السلام)؟