براعة، وليس أدل على ذلك من آثارهم المهمة التي هي في طليعة التراث الاسلامي ولم تزل زاهية حتى هذا اليوم، يرتحل إليها رواد العلوم والمعارف من سائر الأقطار والقارات فيرتوون من مناهلها العذبة وعيونها الصافية (والمنهل العذب كثير الزحام).
وقد استدل بعض الكتاب المحدثين على وجود الجامعة العلمية في النجف قبل هجرة شيخ الطائفة إليها، وذلك اعتمادا على استجازة الشيخ أبي العباس النجاشي من الشيخ أبي عبد الله الخمري فقد قال في كتاب رجاله المطبوع ص 50 عن كتاب " عمل السلطان " للبوشنجي ما لفظه: أجازنا بروايته أبو عبد الله الخمري الشيخ الصالح في مشهد مولانا أمير المؤمنين عليه السلام سنة أربعمائة.
وهذا لا يكفي للتدليل فالنجف مشهد يقصد للزيارة فربما تلاقيا في النجف زائرين فحصلت الاستجازة كما هو الحال في المحقق الحلي صاحب " الشرايع " فقد أجاز البعض في النجف أيام ازدهار العلم في الحلة وفتوره في النجف، فهل يمكن عد المحقق من سكنة النجف؟ وقد استجزت انا بعض المشايخ في كربلا ومشهد الكاظمين ومكة والمدينة والقاهرة وغيرها، وأجزت جمعا من العلماء في الري ومشهد الرضا عليه السلام بخراسان وغير ذلك من البلاد، ودون بعض ذلك في بعض المؤلفات فهل ينبغي عدي أوعد المجازين في علماء فارس أو الحجاز أو مصر؟
ثم انني اذهب إلى القول بأن النجف كانت مأوى للعلماء وناديا للمعارف قبل هجرة الشيخ إليها، وان هذا الموضع المقدس أصبح ملجىء للشيعة منذ أنشأت فيه العمارة الأولى على مرقد الامام أمير المؤمنين عليه السلام، لكن حيث لم تأمن الشيعة على نفوسها من تحكمات الأمويين والعباسيين، ولم يستطيعوا بث علومهم ورواياتهم كان الفقهاء والمحدثون لا يتجاهرون بشيء مما عندهم، وكانوا متبددين حتى عصر الشيخ الطوسي والى أيامه، وبعد هجرته انتظم الوضع الدراسي وتشكلت الحلقات كما لا يخفى على من راجع (آمالي الشيخ الطوسي) الذي كان يمليه على تلامذته.
مكانته العلمية:
من البديهيات أن مكانة شيخ الطائفة المعظم وثروته العلمية الغزيرة في غنى