الثالث - انه مقدمة لما بعده، لأنه تعالى أراد وعظهم ذكرهم قبل ذلك بالنعم عليهم، لأنه استدعاء إلى قبول الوعظ لهم (1). وقيل: فيه وجه رابع.
وهو انه لما تباعد بين الكلامين حسن التنبيه والتذكير.
وموضع " التي " نصب بالعطف على نعمتي.
قوله تعالى:
" واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها عدل ولا تنفعها شفاعة ولا هم ينصرون " (124) آية بلا خلاف.
ومثل هذه الآية أيضا تقدم. وبينا ما فيها، فلا معنى للتكرار. وبينا ان العدل هو الفدية. وقيل هو المثل. ويقال هذا عدله، اي مثله والعدل، هو الحمل وبينا قول من يقول: إن الشفاء لا تكون إلا لمرتكبي الكبائر: إذا ماتوا مصرين. فان قلنا ظاهر الآية متروك بالاجماع، لأنه لا خلاف ان هاهنا شفاعة نافعة والآية تقتضي نفيها، وان خصوا بأنها لا تنفع المصرين، وإنما ينفع التائبين؟ قلنا:
لنا ان نخصها بالكافرين دون فساق (2) المسلمين. واما قوله: " لا يشفعون " الا لمن ارتضى فنتكلم عليه إذا انتهينا إليه. ومن قال: إنه ليس يعني ان يشفع لها شافع فلا تنفع شفاعته، لكنه يريد لا تأتي بمن يشفع لها. كما قال الشاعر:
على لا حب لا يهتدى بمناره وإنما أراد به لا منار هناك فيهتدى به لا يضرنا، لأنا لا نقول: إن هناك شفاعة تحصل ولا تنفع بل نقول: إن الشفاعة إذا حصلت من النبي، وغيره فإنها تنفع لا محالة. وكذلك عند المخالف، وان قلنا: انها تنفع في اسقاط المضار وقالوا: هم في زيادة المنافع. غير أن اتفقنا (3) على أنها تحصل لا محالة ولسنا ممن ينفي حصول الشفاعة أصلا.