فقد بينا فيما مضى، معنى اللعنة، ومعنى الكفر فلا وجه لإعادته. وقد مضى الجواب عمن يستدل بمثل ذلك على أن الكافر قد يكون عالما ببعض الأشياء التي أوجبها الله تعالى بخلاف ما يذهب إليه أصحاب الموافاة، وان من عرف الله فلا يجوز ان يكفر وان المعتمد على ذلك: ان نقول: لا يمتنع ان يكونوا قد عرفوا الله وكثيرا مما وجب عليهم، لكن لم يكن وقع نظرهم على وجه يستحقون به الثواب، لان ذلك هو الممنوع منه، وقد بينا أيضا صفة من يتعلق بذلك من أصحاب الضرورات، لان غاية ما في ذلك ان القوم كانوا عارفين فجحدوا ما عرفوا، وليس يمتنع ان يكونوا عارفين استدلالا ثم جحدوا: فالضرورة لم يجر لها ذكر.
قوله تعالى:
" بئس ما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله بغيا أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده فباءوا بغضب على غضب وللكافرين عذاب مهين (90) آية.
اللغة والاعراب:
أصل بئس: بئس من البؤس فأسكنت الهمزة ونقلت حركتها إلى الباء.
كما قالوا في ظللت ظلت، وكما قيل للكبد كبد، فنقلت حركة الباء إلى الكاف، لما سكنت الباء. ويحتمل أن تكون بئس. وإن كان أصلها بئس من لغة من ينقل حركة العين من فعل إلى الفاء إذا كانت عين الفعل أحد حروف الحلق الستة. كما قالوا في لعب: لعب. وفي سئم سيم، وهي لغة تميم. ثم جعلت دلالة على الذم والتوبيخ ووصلت ب (ما). واختلفوا في (ما) فقال قوم من البصريين: هي وحدها اسم، " وان يكفروا " تفسير له. نحو نعم رجلا زيد " وان ينزل الله " بدل من انزل.
وقال الفراء: بئس الشئ اشتروا به أنفسهم ان يكفروا. ف (ما) اسم بئس، (وأن يكفروا) الاسم الثاني. وقوله " ان ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده "، إن