الداعي إلى الايمان لا يحل موقعه الا بان يقبل المدعو إليه. واما ايصاله ما تقدم على الجزم، فإنما هو على معنى التغليظ لشان الجحيم، ليزحر (1) بذلك عن ترك اتباعه صلى الله عليه وآله والتصديق بما اتى به من البشارة. قال أبو علي الفارسي إنما تلزم الفاء إذا كان الكلام الأول علة فيما بعد ذلك، كقولك أعطيك فرسا فلا تسأل شيئا اخرا والآية بخلاف ذلك. وفي الناس من قال: القراءة بالجزم مردودة، لأنه لم يتوجه له اتصال الكلام، ولا كيف جاء بالواو دون الفاء. وقد بينا الاتصال. فاما المجئ بالواو فلانه لم يرد الدلالة على معنى الجواب، ولكن عطف جملة على جملة تتعلق بها وتقتضي على ما انطوى عليه معناها. ومعنى الحق في قوله: " انا أرسلناك بالحق " الاسلام، بشيرا من اتبعك عليه بالثوب نذيرا من خالفك فيه بالعقاب.
وقيل: " إنا أرسلناك بالحق " يعني على الحق. كما قال: " خلق الله السماوات والأرض بالحق " (2) كأنه قال: على أنهما حق لا باطل.
قوله تعالى:
" ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم مالك من الله من ولي ولا نصير " (121) قيل في معنى هذه الآية قولان:
أحدهما - ان النبي " ص " كان مجتهدا في طلب ما يرضيهم، ليقبلوا إلى الاسلام ويتركوا القتال، فقيل له: دع ما يرضيهم إلى ما امر الله به من مجاهدتهم.
والآخر - قال الزجاج: كانوا يسألونه " ع " الهدنة والمسالمة ويرونه انه ان أمهلهم اسلموا. فاعلمه الله انهم لن يرضوا عنه حتى يتبع ملتهم. وهذه الآية تدل انه لا يصح ارضاء اليهود ولا النصارى على حال، لأنه تعالى علقه بان اليهود