من ذلك. ولو كان الامر على ما قاله المخالف لوجب ان لا يعتبروا فيما يبتاعونه إلا الصفات الأخيرة دون ما تقدمها، وتلغي الصفات المتقدمة اجماعهم على أن الصفات كلها معتبرة. دليل على أن الله تعالى أخر البيان. فان قيل لم عنفوا على تأخيرهم امتثال الأمر الأول مع أن المراد بالامر الأول تأخر؟ ولم قال فذبحوها وما كادوا يفعلون؟
قلنا ما عنفوا بتأخير امتثال الأمر الأول: وليس في الظاهر ما يدل عليه بل كان البيان يأتي شيئا بعد شئ كما طلبوه من غير تعنيف فلا قول يدل على أنهم بذلك عصاة. فاما قوله: في اخر القصة: " فذبحوها وما كادوا يفعلون ".
فإنما يدل على أنهم كادوا يفرطون في اخر القصة، وعند تكامل البيان. ولا يدل على أنهم فرطوا في أول القصة.
ويقوي ذلك قوله تعالى بعد جمع الأوصاف: " الان جئت بالحق " اي جئت به على جهة التفصيل. وإن كان جاءهم بالحق مجملا. وهذا واضح بحمد الله، وقد استوفينا الكلام في هذه الآية وغيرها في العدة في أصول الفقه ما لا مزيد عليه.
قوله تعالى:
" وإذ قتلتم نفسا فادارأتم فيها والله مخرج ما كنتم تكتمون " (72). آية تقدير الآية: واذكروا إذ قتلتم نفسا فادارأتم فيها. وهو عطف على قوله: " واذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم ". وهو متقدم على قوله: " وإذ قال موسى لقومه ان الله يأمركم ان تذبحوا بقرة " لأنهم إنما أمروا بذبح البقرة بعد تدارئهم في امر المقتول.
ومعنى ادارأتم: اختلفتم واصله تدارأتم. فأدغمت التاء في الدال بعد ان سكنت، وجعلوا قبلها ألفا لتمكن النطق بها. قال أبو عبيدة: اداراتم: بمعنى اختلفتم فيها. من التدارؤ، ومن الدرء وقيل الدراء: العوج: اي اعوججتم عن الاستقامة، ومنه قول الشاعر: