قوله تعالى: " ثم توليتم من بعد ذلك فلولا فضل الله عليكم ورحمته لكنتم من الخاسرين " (64) آية.
قوله توليتم: أعرضتم ووزنه: تفعلتم من قولهم ولاني فلان دبره: إذا استدبر عنه وجعله خلف ظهره. ثم يستعمل ذلك في كل تارك طاعة آمر ومعرض بوجهه. يقال: فلان تولى عن طاعة فلان، ويتولى عن مواصلته وصداقته، ومنه قوله: " فلما اتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهو معرضون " (1) يعني خالفوا ما وعد الله من قوله: " لئن اتانا الله امن فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين " (2) ونبذوا ذلك وراء ظهورهم فصار معنى الآية انكم نبذتم العهد الذي اخذناه عليكم بعد اعطائكم المواثيق. وكنى بذلك عن جميع ما تقدم ذكره في الآية، ثم قال: " فلولا فضل الله عليكم " يعني فلولا ان فضل الله عليكم بالتوبة بعد نكثكم الميثاق الذي واثقتموه إذ رفع فوقكم الطور فاجتهدتم في طاعته، وأداء فرائضه، وانعم عليكم بالاسلام، وبرحمته التي رحمكم بها، فتجاوز عن خطيئتكم بمراجعتكم (3) طاعة ربكم لكنتم من الخاسرين. وهذا وإن كان خطابا لمن كان بين ظهراني مهاجر رسول الله " ص " فإنما هو خبر عن اسلافهم. فاخرج الخبر مخرج الخبر عنهم. على نحو ما مضى ذكره. وقال قوم: الخطاب في هذه الآية إنما اخرج بإضافة الفعل إلى المخاطبين والفعل لغيرهم لان المخاطبين إنما كانوا يتولون من كان فعل ذلك من أوائل بني إسرائيل، فصيرهم الله منهم، من اجل ولايتهم لهم. وقال بعضهم: إنما قال لهم ذلك، لان سامعيه كانوا عالمين. وان الخطاب خرج مخرج الخطاب للاحياء من بني إسرائيل، وأهل الكتاب - وإن كان المعنى في ذلك إنما هو خبر عما مضى من اسلافهم - ومثل ذلك قول الشاعر: