وقوله: " لا ينال عهدي الظالمين " يدل على أنه يجوز ان يعطي ذلك بعض ولده إذا لم يكن ظالما، لأنه لو لم يرد ان يجعل أحدا منهم إماما للناس، كان يجب أن يقول في الجواب لا ولا ينال عهدي ذريتك. وكان يجوز ان يقول في العربية:
لا ينال عهدي الظالمون، لان ما نالك فقد نلته. وروي ذلك في قراءة ابن مسعود إلا أنه في المصحف (بالياء). تقول نالني خيرك، ونلت خيرك. واستدل أصحابنا بهذه الآية على أن الامام لا يكون إلا معصوما من القبائح، لان الله تعالى نفى ان ينال عهده - الذي هو الإمامة - ظالم، ومن ليس بمعصوم فهو ظالم: إما لنفسه، أو لغيره. فان قيل: إنما نفى ان يناله ظالم - في حال كونه كذلك -: فاما إذا تاب وأناب، فلا يسمى ظالما، فلا يمتنع أن ينال. قلنا: إذا تاب لا يخرج من أن تكون الآية تناولته - في حال كونه ظالما - فإذا نفي ان يناله، فقد حكم عليه بأنه لا ينالها، ولم يفد انه لا ينالها في هذه الحال دون غيرها، فيجب ان تحمل الآية على عموم الأوقات في ذلك، ولا ينالها وإن تاب فيما بعد. واستدلوا بها أيضا على أن منزلة الإمامة منفصلة من النبوة، لان الله خاطب إبراهيم (ع) وهو نبي، فقال له: انه سيجعله إماما جزاء له على اتمامه ما ابتلاه الله به من الكلمات، ولو كان إماما في الحال، لما كان للكلام معنى، فدل ذلك على أن منزلة الإمامة منفصلة من النبوة. وإنما أراد الله أن يجعلها لإبراهيم (ع) وقد أملينا رسالة مقررة في الفرق بين النبي، والامام، وان النبي قد لا يكون إماما على بعض الوجوه، فاما الامام فلا شك أنه يكون غير نبي. وأوضحنا القول في ذلك، من أراده وقف عليه من هناك وإبراهيم، وابراهم لغتان، واصله ابراهام فحذفت الألف استخفافا. قال الشاعر:
عذت بما عاذبه إبراهم (1) وقال أمية: مع ابراهم التقي وموسى وقوله تعالى:
وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا واتخذوا من مقام