الطوسي ونهبت داره. ثم قال في حوادث سنة 449 ه: وفي صفر في هذه السنة كبست دار أبي جعفر الطوسي متكلم الشيعة بالكرخ وأخذ ما وجد من دفاتره وكرسي كان يجلس عليه للكلام، وأخرج إلى الكرخ وأضيف اليه ثلاث سناجيق بيض كان الزوار من أهل الكرخ قديما يحلمونها معهم إذا قصدوا زيارة الكوفة فأحرق الجميع إلخ.
ولما رأى الشيخ الخطر محدقا به هاجر بنفسه إلى النجف الأشرف لائذا بجوار مولانا أمير المؤمنين عليه السلام وصيرها مركزا للعلم وجامعة كبرى للشيعة الامامية، وعاصمة للدين الاسلامي والمذهب الجعفري، وأخذت تشد إليها الرحال وتعلق بها الآمال، وأصبحت مهبط رجال العلم ومهوى أفئدتهم وقام فيها بناء صرح الاسلام، وكان الفضل في ذلك لشيخ الطائفة نفسه فقد بث في أعلام حوزته الروح العلمية، وغرس في قلوبهم بذور المعارف الآلهية، فحسروا للعلم عن سواعدهم ووصلوا فيه ليلهم بنهارهم عاكفين على دروسهم خائضين عباب العلم خائضين على أسراره موغلين في استبطان دخائله واستخراج مخبآته، وكيف لا يكونون كذلك وقد شرح الله للعلم والعمل صدورهم وصقل أذهانهم وارهف طباعهم فحموا وطيس العلم، وبان فضل النجف على ما سواها من المعاهد العملية، وخلفوا الذكر الجميل على مر الدهور والأعصار أعلى الله في الفردوس درجاتهم، ولقد أحسن وأجاد صديقنا العلامة الحجة السيد علي نقي النقوي دام ظله حيث قال:
ذا شيخنا الطوسي شيد بها * لربوع شرع المصطفى شرف فهو الذي اتخذ (الغري) له * مأوى به العلياء تعتكف فتهافتوا لسراج حكمته * مثل الفراش اليه تزدلف وقفتهم الأبناء ضامنة * تجديد ما قد شاءه السلف الخ تلك هي جامعة النجف العظمى التي شيد شيخ الطائفة ركنها الأساسي ووضع حجرها الأول، وقد تخرج منها خلال هذه القرون المتطاولة آلاف مؤلفة من أساطين الدين وأعاظم الفقهاء وكبار الفلاسفة ونوابغ المتكلمين، وأفاضل المفسرين واجلاء اللغويين، وغيرهم ممن خبروا العلوم الاسلامية بأنواعها وبرعوا فيها أيما