والثاني - من بعد ما تحققوه وهم يعلمون ما في تحريفه من العقاب. والذي يليق بمذهبنا في الموافاة أن نقول: ان معناه وهم يعلمون انهم يحرفونه. فان قيل فلماذا اخبر الله عن قوم بأنهم حرفوا وفعلوا ما فعلوا من المعاندة ما يجب أن يؤيس من ايمان من هو في هذا الوقت، وأي علقة بين الموضوعين والحالين؟ قيل: ليس كلما يطمع فيه يؤيس منه على وجه الاستيقان بأنه لا يكون، لان الواحد من افناء العامة (1) لا يطمع ان يصير ملكا. ومع ذلك لا يمكن القطع على كل حال ان ذلك لا يكون ابدا. ولكن لا يطمع فيه لبعده، والله تعالى نفى عنهم الطمع ولم يؤيسهم على القطع والثبات وإنما لم يطمع فيهم لبعد ذلك من الوهم منهم مع أحوالهم التي كانوا عليها.
وشبههم بأسلافهم المعاندين، وقد كانوا قادرين على أن يؤمنوا وكان ذلك منه جائزا. وهؤلاء الذين عاندوا - وهم يعلمون - كان قليلا عددهم، يجوز على مثلهم التواطؤ والاتفاق وكتمان الحق، وإنما يمتنع ذلك في الجمع العظيم والخلق الكثير، لامر يرجع إلى اختلاف الدواعي. فأما على وجه التواطؤ والعمد فلا يمتنع فيهم أيضا، فيبطل بذلك قول من نسب فريقا إلى المعاندة دون جميعهم وان كانوا بأجمعهم كفارا.
قوله تعالى:
" وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به عند ربكم أفلا تعقلون ". (76) آية.
هذه الآية فيها اخبار عمن رفع الله الطمع في ايمانهم من يهود بني إسرائيل الذين كانوا بين أظهرهم فقال: أفتطمعون أيها المؤمنون ان يؤمنوا لكم، وهم القوم الذين كان فريق منهم يسمعون كلام، ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون، وهم الذين إذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا: أي صدقنا بمحمد صلى الله عليه وآله وبما صدقتم به وأقررنا بذلك. فأخبر الله بأنهم تخلقوا باخلاق المنافقين وسلكوا منهاجهم. " وإذا