من الألطاف التي يؤتيها المؤمنين فيكون ذلك عقوبة لهم واستصلاحا ونظير ذلك قول القائل لأخيه إذا هجره أخوه متجنيا عليه إذا استعتبه فلم يراجعه:
سأمد لك في الهجران مدا يريد سأتركك وما صرت إليه تركا ينبهك على قبح فعلك لا أنه يريد بذلك أن يهجره أخوه ولكن على وجه الغضب والاستصلاح والتنبيه قوله تعالى أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين آية القراءة:
ضم جميع القراء الواو من (اشتروا الضلالة) وروى السوخردي عن زيد ابن إسماعيل بتخفيف ضمة الواو وكذلك نظائره نحو: (لنبلون) (فتمنوا الموت) وروى عن يحيى بن يعمر في الشواذ أنه كسرها شبهها بواو: (لو) في قوله: (لو استطعنا لخرجنا) (1) وضم يحيى بن وثاب واو (لووا) وفيما ذكرناه شبهها بواو الجمع والصحيح ما عليه القراء لان الواو في الآية ونظائرها واو الجمع فحركت بالحركة التي من جنسها لالتقاء الساكنين المعنى:
وهذه الآية الإشارة بها إلى من تقدم ذكره من المنافقين وقال ابن عباس اشتروا الكفر بالايمان وقال قتادة: استحبوا الضلالة على الهدى وقال ابن مسعود:
اخذوا الضلالة وتركوا الهدى وقال مجاهد آمنوا ثم كفروا وهذه الأقوال متقاربة المعاني فان قيل كيف اشتروا هؤلاء القوم الضلالة بالهدى وإنما كانوا منافقين لم يتقدم نفاقهم ايمان؟ فيقال فيهم باعوا ما كانوا عليه بضلالتهم التي استبدلوها منه والمفهوم من الشراء اعتياض شئ يبذل شئ مكانه عوضا منه وهؤلاء ما كانوا قط على الهدى