ما قلناه قوله: " وما يضل به إلا الفاسقين " فلا يخلو أن يكون أراد ما قلناه من العقوبة على التكذيب، أو أراد به الحيرة والتشكيك، وقد ذكرنا انه لا يفعل الحيرة المتقدمة التي بها صاروا ضلالا فساقا، لم يفعلها الله إلا بحيرة قبلها، وهذا يوجب مالا نهاية له من حيرة قبل حيرة، لا إلى أول، أو اثبات إضلال لا إضلال قبله، فإن كان الله قد فعل هذا الضلال الذي لم يقع قبله ضلال فقد أضل من لم يكن فاسقا، وهذا خلاف قوله: " وما يضل به إلا الفاسقين " فثبت أنه أراد أنه لا يعاقب إلا الفاسقين، كما قال: " ويضل الله الظالمين ويفعل ما يشاء (1) وحكى الفراء وجها آخوا مليحا، قال: قوله " ماذا أراد الله بهذا مثلا، يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا " حكاية عمن قال ذلك، كأنهم قالوا: ماذا أراد بهذا مثلا يضل به كثيرا، أي يضل به قوم ويهدي به قوم، ثم قال الله: " وما يضل به إلا الفاسقين " فبين عز وجل الاضلال، وأنه لا يضل إلا ضالا فاسقا، واقتصر على الاخبار عنهم وبيان ما بين الاضلال دون ما أراد بالمثل، وهذا وجه حسن تزول معه الشبهة وأصل الفسق في اللغة الخروج عن الشئ، يقال منه: فسقت الرطبة إذا أخرجت من قشرها، ومن ذلك سميت الفارة فويسقة، لخروجها من حجرها، ولذلك سمي المنافق والكافر فاسقين لخروجهما عن طاعة الله، ولذلك قال الله تعالى في صفة إبليس: " إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه " (2) يعني خرج من طاعته واتباع أمره قوله تعالى:
الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر