سوى ما أهدي منها إلى الرؤساء كما صرح به كل من ترجم له، وذلك أحد وجوه تلقيبه بالثمانيني.
نعم كان شيخ الطائفة متمكنا من هاتين الخزانتين العظيمتين، وكأن الله ألهمه الأخذ بحظه منهما قبل فوات الفرصة، فقد اغتنمها أجزل الله أجره، وغربل كوم الكتب فأخذ منها حاجة وظفر فيها بضالته المنشودة، وألف كتابيه الجليلين (التهذيب) و (الاستبصار) اللذين هما من الكتب الأربعة، والمجاميع الحديثية التي عليها مدار استنباط الأحكام الشرعية عند الفقهاء الاثني عشرية منذ عصر مؤلفه حتى اليوم، وألف أيضا غيرهما من مهام الأسفار قبل ان يحدث شيء مما ذكرنا، وكذا غيره من الحج فقد أجهدوا نفوسهم وتفننوا في حفظ تراث آل محمد عليه وعليهم السلام، فكان لهم بحمد الله ما أرادوا.
وهكذا استقى شيخ الطائفة مادة مؤلفاته من تصانيف القدماء، وكتب في كافة العلوم من الفقه وأصوله، والكلام والتفسير، والحديث والرجال، والأدعية والعبادات، وغيرها، وكانت ولم تزل مؤلفاته في كل علم من العلوم مآخذ علوم الدين بأنوارها يستضيئون ومنها يقتبسون وعليها يعتمدون.
ولهذه الناحية فان لشيخ الطائفة على الشيعة حقا لا ينكر وفضلا لا يستر، على أن جمعا من علماء الشيعة القدماء عملوا ما عمله، فان الشيخين الكليني والصدوق ألفا (الكافي) و (من لا يحضره الفقيه) اللذين هما من الكتب الأربعة أيضا، وكذا غيرهما من الأقطاب، وإنا لا ننكر فضلهم بل نشكرهم على حسن صنيعهم ونقدر مجهودهم ونسأل الله لهم الأجر والثواب الجزيل، إلا انه لا بد لنا من الاعتراف بان شيخ الطائفة بمفرده قام بما لا تقوم به الجماعة ونهض بأعباء ثقيلة لم يكن من السهل على غيره النهوض بها لولا العناية الربانية التي شدت عضده، فان الغير ممن أجهد نفسه الكريمة فكتب وألف قد خص موضوعا واحدا كالفقه أو الحديث أو الدعاء أو غير ذلك بينما لم يدع شيخ الطائفة بابا إلا طرقه، ولا طريقا إلا سلكها، وقد ترك لنا نتاجا طيبا متنوعا غذى عقول فطاحل عدة قرون وأجيال.