خدمته - وان كان في غنى عن ذلك - وحسبه ذخرا يوم العرض شهادة أمير المؤمنين عليه السلام: بأنه لم يقصد بتأليف الكتاب غير وجه الله. ولمثل هذا فليعمل العاملون ان الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون.
ومما يجدر بالذكر إننا نستفيد من هذه الواقعة أمرين لم يصرح بهما شيخنا النوري - عطر الله مثواه -.
الأول: إن معارضي الشيخ لم يكن لهم معه غرض شخصي في تخطئته ونقده وانما اختلفوا معه في بعض الآراء الفقهية فظنوا انه مخطأ، وان فتاويه غير مرضية عند آل محمد عليه وعليهم السلام. ولم يكن ذلك إلا غيرة على الدين، وتحمسا له، وتحفظا من وقوع الخطأ فيه، ولذلك لجئوا إلى الامام عليه السلام مستفسرين منه عن وقع ذلك في نفسه، فأجابهم عليه السلام بالرضا والقبول فسروا واطمأنوا وغبطوا شيخ الطائفة على توفيقه، كما تدل عليه عبارة: وقاموا متفرقين مغتبطين الخ.
الثاني - وهو أهم من سابقه - إنهم كانوا على بصيرة من أمرهم، واطمئنان من أنفسهم، وكانوا يشعرون برضى أئمتهم عليهم السلام عنهم، ويرون أنفسهم عبيدا وخدما لمواليهم، وليس على العبد إذا أراد المثول بين يدي مولاه إلا أن يكون على نحو يرضيه وشكل يبتغيه، وأن يكون ممتثلا لأوامره مبتعدا عن نواهيه، وإذا فأي مانع من وصوله إلى حضرة مولاه، وتشرفه بخدمته؟.
وأنت ترى ان هؤلاء المشايخ رضوان الله عليهم، لما عسر عليهم فهم هذا الامر وانغلقت في وجوهم أبواب الرجاء والأمل، لجئوا إلى مواجهة الامام عليه السلام ولم تكن مقدماتهم لذلك سوى بعض الآداب الشرعية المرعية من الصوم والوضوء والدعاء والرجاء فلو علم هؤلاء بتقصير لهم، أو شعروا بتخلفهم عن بعض أوامره، لما جسروا على طلب مواجهته ومقابلته، وبهذا وغيره أعلمنا قدماؤنا رضوان الله عليهم أنهم كانوا في غاية الالتزام بالتكاليف الشرعية كبيرة وصغيرة، وفي غاية البعد عن كل دنية حتى المكروه والمباح، وقد وعظونا بأعمالهم أكثر مما وعظونا بأقوالهم فيجب علينا اتباعهم والسير على الخطى التي رسموها لنا والطرق التي سنوها