دفع شبه التشبيه بأكف التنزيه - أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزي الحنبلي - الصفحة ٢٣٥
ولذلك أورد الحديث الحافظ ابن الجوزي رحمه الله تعالى في " العلل المتناهية " (1 / 275).
وأزيد بأنه موضوع.
وأما حديث: " اللهم علم معاوية الكتاب، وقه العذاب " فلا يصح حتى يلج الجمل في سم الخياط، وهذا الدعاء: " اللهم علمه الكتاب " هو دعاء النبي صلى الله عليه وسلملابن عباس كما في البخاري في مواضع منها (الفتح 1 / 169) فقلبه النواصب لمعاوية، ومعاوية لا يؤثر أنه كان عالما بالكتاب البتة، وإنما العالم بالكتاب هو ابن عباس، كما امتلأت كتب التفسير من أقواله في فهم الكتاب.
وهذا الحديث المقلوب الموضوع " اللهم علم معاوية الكتاب وقه العذاب " رواه أحمد في المسند (4 / 127) والطبراني (18 / 252) وابن عدي في الكامل في الضعفاء (6 / 2402).
قلت: وفي سنده: الحارث بن زياد وهو شامي ناصبي لا تقبل روايته لمثل هذا الحديث الذي يؤيد بدعته ولم يرو عنه إلا يونس بن سيف الكلاعي قال الحافظ في ترجمته في " التهذيب " (2 / 123):
" قال الذهبي في الميزان (1 / 433): مجهول، وشرطه أن لا يطلق هذه اللفظة إلا إذا كان أبو حاتم الرازي قالها " ثم قال:
" نعم قال أبو عمرو بن عبد البر فيه مجهول: وحديثه منكر " قلت: وفي سنده: يونس بن سيف: حمصي ومعاوية بن صالح: حمصي ناصبي: قال عنه الحافظ في " التقريب " صدوق له أوهام، قلت: وفي ترجمته في " التهذيب " (10 / 189): ما ملخصه في أقوال من جرحه:
كان يحيى بن سعيد القطان لا يرضاه، وفي رواية عن ابن معين ليس بمرضى، وقال أبو إسحاق الفزاري: ما كان بأهل أن يروى عنه، وقال ابن أبي خيثمة:
يغرب بحديث أهل الشام جدا.
وحكم الذهبي على المتن من بعض طرقه في " الميزان " (1 / 388) بأنه:
" منكر بمرة " وفي الطريق مجهول ورجل لا يعرف.
وفي طريق أخرى ذكرها الذهبي في الميزان (3 / 47): من طريق إسحاق بن كعب، حدثنا عثمان بن عبد الرحمن عن عطاء عن ابن عباس به.
وعثمان بن عبد الرحمن هو الوقاصي كما قال الذهبي في " الميزان " (3 / 47) في ترجمة الجمحي، وهو متروك كما قال البخاري وكذبه ابن معين كما في الميزان (3 / 43).
وضعفه المبتدع المتناقض في تعليقه على " صحيح ابن خزيمة " (3 / 214) فأنى تقوم لهذا الحديث قائمة؟!!
ولذلك أورده ابن الجوزي في " العلل المتناهية في الأحاديث الواهية " (1 / 272).
قلت: فكيف يقول بعض النواصب الذين يظهرون الاعتدال: لعلي أجران ولمعاوية أجر لأنه مجتهد؟!!
فهل يصح الاجتهاد في قتل المسلمين الموحدين و.....؟!!
وهل هناك اجتهاد في مورد النص؟! وقد تواتر عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال في سيدنا عمار الذي قاتل مع أمير المؤمنين سيدنا علي: " تقتله الفئة الباغية " كما ثبت في البخاري ومسلم؟!!
وهل يصح الاجتهاد مع ورود نصوص كثيرة متواترة وصحيحة منها قوله صلى الله عليه وسلم في حق سيدنا علي رضي الله عنه:
" من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه " قال الحافظ الذهبي في " سير أعلام النبلاء " (8 / 335) عن هذا الحديث:
" متواتر ".
وفي صحيح مسلم (برقم 78 في الإيمان) عن سيدنا علي رضي الله عنه قال: إنه لعهد النبي الأمي صلى الله عليه وسلم إلي: " إنه لا يحبك إلا مؤمن، ولا يبغضك إلا منافق ".
قلت: فما حكم هذا الذي يأمر بسب ولعن مولى المؤمنين بشهادة رسول رب العالمين على المنابر؟!!
وما حكم من يمتحن رعيته بلعن سيدنا علي رضي الله عنه والتبري منه وقتل من لم يسبه ويلعنه؟!!
ومن الغريب المضحك حقا بعد هذا أن تجد ابن كثير يقول في باب عقدة في " تاريخه " (8 / 20) في فضل معاوية ما نصه:
" هو معاوية بن أبي سفيان.... خال المؤمنين، وكاتب وحي رب العالمين أسلم هو وأبوه وأمه هند... يوم الفتح " ا ه ثم قال بعد ذلك:
" والمقصود أن معاوية كان يكتب الوحي لرسول صلى الله عليه وسلم مع غيره من كتاب الوحي... " ا ه قلت: كلا والله الذي لا إله إلا هو، لم يصح كلامك يا ابن كثير ولا ما اعتمدته وزعمته، فأما قولك:
(خال المؤمنين) فليس بصحيح البتة، وذلك لأنه لم يرد ذلك في سنة صحيحة أو أثر، وعلى قولك هذا في الخؤولة يكون حيي بن أخطب اليهودي جد المؤمنين لأنه والد السيدة صفية زوجة النبي صلى الله عليه وسلم، وليس كذلك.
ولم أرك تقول عن سيدنا أبي بكر أو عن سيدنا عمر أنه جد المؤمنين لأن بنتيهما زوجتا رسول الله صلى الله عليه وسلم!!
ولا أريد الاسهاب في إبطال هذه الخؤولة المزعومة إنما أذكرها في موضع آخر تختص به إن شاء الله تعالى.
وأما قولك (وكاتب وحي رب العالمين) فليس بصحيح أيضا، وذلك لأن معاوية أسلم عام الفتح، وهو وأبوه من الطلقاء وقد أسلم في أوقات قد فرغ فيها نزول الوحي ووصل عند قوله تعالى (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) فماذا سيكتب معاوية بعد هذا؟!!
وقد ذكر الحافظ الذهبي في " السير " (3 / 123) عن أبي الحسن الكوفي قال:
" كان زيد بن ثابت كاتب الوحي، وكان معاوية كاتبا فيما بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين العرب " وكذا قال الحافظ ابن حجر في ترجمته في الإصابة.
وليكن معلوما أنه أيضا ما كتب للنبي صلى الله عليه وسلم إلا ثلاث رسائل.
ثم ليعلم علما أكيدا أن كتابة معاوية للوحي على فرض أنها صحيحة كما يزعم ابن كثير ليست عاصمة له مما وقع فيه مما قدمنا بعضه وسنذكر تمامه في بحث علمي مستقل إن شاء الله تعالى، بدليل أن عبد الله بن أبي سرح الذي كان يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم الوحي في مكة أول ما نزل الوحي ارتد وخرج من الإسلام بعد ذلك كما في ترجمته في كتب الحفاظ والمحدثين ومنها كتاب " سير أعلام النبلاء " (3 / 33) والإصابة لابن حجر وغير ذلك، وروى أبو داود في سننه (4 / 128 برقم 4358) بسند حسن عن ابن عباس قال:
" كان عبد الله بن سعد ابن أبي سرح يكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأزله الشيطان فلحق بالكفار، فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقتل يوم الفتح.... " ا ه فهذه ثلاثة براهين تبطل قول ابن كثير في تفضيل معاوية بكتابة الوحي وتجتث هذه الفضيلة من جذورها.
قلت: وأما من احتج بحديث: " الله الله في أصحابي لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه " فنقول له:
جاءت في صحيح مسلم وغيره من طرق مناسبة هذا الحديث حتى يعرف معناه وهو ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال:
كان بين خالد وعبد الرحمن بن عوف خصومة فسب خالد عبد الرحمن فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بلغه ذلك:
" دعوا لي أصحابي أو أصيحابي، فإن أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهبا لم يدرك.
مد أحدهم ولا نصيفه ". قال عنه الهيثمي في المجمع (10 / 15) " رجاله رجال الصحيح غير عاصم بن أبي النجود وقد وثق " ا ه.
قلت: وأخرجه مسلم برقم (2540).
فاصطلاح الصحابي عند الصحابة والسلف كان لمن له سابقة في الإسلام.
ولنا رسالة طويلة الذيل في هذه المسألة استقصينا فيها البحوث المتعلقة بها بأدلتها سنطبعها بعون الله تعالى قريبا.
ولنعد إلى سيدنا عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى فإنه ثبت عنه أنه قال كما في " تهذيب التهذيب " (2 / 185 الفكر):
" لو جاءت كل أمة بخبيثها وجئنا بالحجاج لغلبناهم ".
قلت: ثم قال الحافظ ابن حجر هناك عن الحجاج:
" وكفره جماعة منهم سعيد بن جبير والنخعي ومجاهد وعاصم بن أبي النجود والشعبي وغيرهم " وارجع إلى ترجمته في " التهذيب " وأقرأها فإن فيها فوائد.