علي متعمدا) وفي تمسك الزبير بهذا الحديث على ما ذهب إليه من اختيار قلة التحديث دليل للأصح في أن الكذب هو الإخبار بالشيء على خلاف ما هو عليه، سواء كان عمدا أم خطأ، والمخطئ وإن كان غير مأثوم بالإجماع لكن الزبير خشي من الإكثار أن يقع في الخطأ وهو لا يشعر لأنه وإن لم يأثم بالخطأ لكن قد يأثم بالإكثار إذا الإكثار مظنة الخطأ. والثقة إذا حدث بالخطأ فحمل عنه وهو لا يشعر أنه خطأ يعمل به على الدوام للوثوق بنقله فيكون سببا للعمل بما لم يقله الشارع، فمن خشي من الإكثار الوقوع في الخطأ لا يؤمن عليه الإثم إذا تعمد الإكثار فمن ثم توقف الزبير وغيره من الصحابة عن الإكثار من التحديث.
وأما من أكثر منهم فمحمول على أنهم كانوا واثقين من أنفسهم بالتثبيت أو طالت أعمارهم فاحتيج إلى ما عندهم فسئلوا فلم يمكنهم، الكتمان قاله في الفتح وقال العيني من: ((من)) موصولة تتضمن معنى الشرط ((وكذب علي)) صلتها وقوله: ((فليتبوأ)) جواب الشرط فلذلك دخلته الفاء (فليتبوأ) بكسر اللام هو الأصل وبالسكون هو المشهور وهو أمر من التبوء وهو اتخاذ المباءة أي المنزل، يقال تبوأ الرجل المكان إذا اتخذه موضعا لمقامه.
وقال الخطابي: تبوأ بالمكان أصله من مباءة الإبل وهي أعطانها وظاهره أمر ومعناه خبر، يريد أن الله تعالى يبوئه مقعده من النار، قاله العيني (مقعده) هو مفعول ليتبوأ وكلمة من ((من النار)) بيانية أو ابتدائية. قال جماعة من الحفاظ: إن حديث من كذب علي في غاية الصحة ونهاية القوة حتى أطلق عليه أنه متواتر.
قال المنذري: والحديث أخرجه البخاري والنسائي وابن ماجة، وليس في حديث البخاري والنسائي متعمدا والمحفوظ من حديث الزبير أنه ليس فيه متعمدا. وقد روي عن الزبير أنه قال والله ما قال متعمدا وأنتم تقولون متعمدا.