أن الأكل بعد غسل اليدين يكون أهنأ وأمرأ، ولأن اليد لا تخلو عن تلوث في تعاطي الأعمال فغسلها أقرب إلى النظافة والنزاهة، والمراد من الوضوء بعد الطعام غسل اليدين والفم من الدسومات. قال صلى الله عليه وسلم: ((من بات وفي يده غمر ولم يغسله فأصابه شئ فلا يلومن إلا نفسه)) أخرجه ابن ماجة وأبو داود وبسند صحيح على شرط مسلم. ومعنى ((بركة الطعام من الوضوء قبله)) النمو والزيادة فيه نفسه وبعده النمو والزيادة في فوائدها وآثارها بأن يكون سببا لسكون النفس وقرارها وسببا للطاعات وتقوية للعبادات وجعله نفس البركة للمبالغة و إلا فالمراد أنها تنشأ عنه. هذا تلخيص كلام القاري (وكان سفيان) أي الثوري (يكره الوضوء قبل الطعام) لعل مستنده حديث ابن عباس المذكور قبل هذا الباب. وقال الترمذي في جامعه باب في ترك الوضوء قبل الطعام ثم أورد حديث ابن عباس ثم قال: قال علي بن المديني قال يحيى بن سعيد كان سفيان الثوري يكره غسل اليد قبل الطعام، وكان يكره أن يوضع الرغيف تحت القصعة.
انتهى.
قال ابن القيم في حاشية السنن: في هذه المسألة قولان لأهل العلم، أحدهما يستحب غسل اليدين عند الطعام والثاني لا يستحب وهما في مذهب أحمد وغيره الصحيح أنه لا يستحب.
وقال الشافعي في كتابه الكبير: باب ترك غسل اليدين قبل الطعام، ثم ذكر من حديث ابن جريج عن سعيد بن الحويرث عن ابن عباس ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تبرز ثم خرج فطعم ولم يمس ماء)) وإسناده صحيح. ثم قال: غسل الجنب يده إذا طعم وساق من حديث الزهري عن أبي سلمة عن عائشة: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن ينام وهو جنب توضأ وضوءه للصلاة وإذا أراد أن يأكل غسل يديه)) وهذا التبويب والتفصيل في المسألة هو الصواب.
وقال الخلال في الجامع عن مهنا قال: سألت أحمد عن حديث قيس بن الربيع عن أبي هشام عن زاذن عن سلمان فذكر الحديث، فقال لي أبو عبد الله هو منكر، فقلت ما حدث هذا إلا قيس بن الربيع. قال: لا. وسألت يحيى بن معين وذكرت له حديث قيس بن الربيع، فقال لي يحيى بن معين ما أحسن الوضوء قبل الطعام وبعده. فقلت له: بلغني عن سفيان الثوري أنه كان يكره الوضوء قبل الطعام.