وقال الشوكاني في النيل بعد نقل الأقوال: واعلم أن الحجة إنما هي في المرفوع من رواية ابن عباس لا في اجتهاده الذي فهم عنه الناس والمشار إليه بقوله: ((هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم)) هو قوله: ((فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين)) والأمر الكائن من رسول الله صلى الله عليه وسلم هو ما أخرجه الشيخان وغيرهما بلفظ: ((لا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين)) وهذا لا يختص بأهل ناحية على جهة الانفراد بل هو خطاب لكل من يصلح له من المسلمين، فالاستدلال به على لزوم رؤية أهل بلد لغيرهم من أهل البلاد أظهر من الاستدلال به على عدم اللزوم لأنه إذا رآه أهل بلد فقد رآه المسلمون فيلزم غيرهم ما لزمهم انتهى ملخصا.
وقال الحافظ في الفتح: وقد اختلف العلماء في ذلك على مذاهب أحدها: لأهل كل بلد رؤيتهم، وفي صحيح مسلم من حديث ابن عباس ما يشهد له، وحكاه ابن المنذر عن عكرمة والقاسم وسالم وإسحاق وحكاه الترمذي عن أهل العلم ولم يحك سواه، وحكاه الماوردي وجها للشافعية. ثانيها: مقابله إذا رئي ببلدة لزم أهل البلاد كلها وهو المشهور عند المالكية، لكن حكى ابن عبد البر الاجماع على خلافه وقال: أجمعوا على أنه لا تراعى الرؤية فيما بعد من البلاد كخراسان والأندلس. قال القرطبي: قد قال شيوخنا: إذا كانت رؤية الهلال ظاهرة قاطعة بموضع ثم نقل إلى غيرهم بشهادة اثنين لزمهم الصوم. وقال ابن الماجشون: لا يلزمهم بالشهادة إلا لأهل البلد الذي ثبتت فيه الشهادة إلا أن يثبت عند الإمام الأعظم فيلزم الناس كلهم لأن البلاد في حقه كالبلد الواحد إذ حكمه نافذ في الجميع. وقال بعض الشافعية:
إن تقاربت البلاد كان الحكم واحدا وإن تباعدت فوجهان لا يجب عند الأكثر، واختار أبو الطيب وطائفة الوجوب وحكاه البغوي عن الشافعي. وفي ضبط البعد أوجه: أحدها: اختلاف المطالع قطع به العراقيون والصيدلاني وصححه النووي في الروضة وشرح المهذب. ثانيها:
مسافة القصر، قطع به الإمام والبغوي وصححه الرافعي في الصغير والنووي في شرح مسلم.
ثالثها: اختلاف الأقاليم. رابعها: حكاه السرخسي فقال: يلزم كل بلد لا يتصور خفاؤه عنهم بلا عارض دون غيرهم. خامسها: قول ابن الماجشون المتقدم انتهى.
قال المنذري: والحديث أخرجه مسلم والترمذي والنسائي (عن الحسن في رجل) هذا الحديث وجد في نسخة واحدة. وقال الحافظ المزي: هذا الحديث في رواية أبي الحسن بن العبد وأبي بكر بن داسة انتهى. كذا في غاية المقصود.